يتصوروها حجّة على هذا التمييز قد أخطئوا خطأ كبيرا.
ولذا عقب الله سبحانه على الجملة السابقة فورا بقوله : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) أي لكلّ من الرجال والنساء نصيب من سعيه وجهده ومكانته سواء كانت مكانة طبيعية (كالتفاوت والفرق بين جنسي الرجل والمرأة) أو غير طبيعية ناشئة عن التفاوت بسبب الجهود الاختيارية.
إنّ الجدير بالالتفات هنا هو : إنّ لكلمة «الاكتساب» التي هي بمعنى التحصيل مفهوما واسعا يشمل الجهود الاختيارية ، كما يشمل ما يحصل عليه الإنسان بواسطة بنيانه الطبيعي.
ثمّ يقول : (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) أي بدل أن تتمنوا هذا التفصيل والتفاوت اطلبوا من فضل الله واسألوا من لطفه وكرمه أن يتفضل عليكم من نعمه المتنوعة وتوفيقاته ومثوباته الطيبة ، لتكونوا ـ بنتيجة ذلك ـ سعداء رجالا ونساء ، ومن أي عنصر كنتم ، وعلى كل حال اطلبوا واسألوا ما هو خيركم وسعادتكم واقعا ، ولا تتمنوا ما هو خيال أو ما تتخيلونه (ولعلّ التعبير بلفظة «من فضله» إشارة إلى المعنى الأخير).
على أنّه من الواضح جدّا أن طلب الفضل والعناية الرّبانية ليس بمعنى أن لا يسعى الإنسان في الأخذ بأسباب كلّ شيء وعوامله ، بل لا بدّ من البحث عن فضل الله ورحمته من خلال الأسباب التي قرّرها وأرساها في الكون.
(إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) أي يعلم ما يحتاج إليه نظام المجتمع وما يلزمه من الفروق سواء من الناحية الطبيعية أو الحقوقية ، ولهذا لا وجود للظلم والحيف ولا لأي شيء من التفاوت الظالم والتمييز غير العادل في أفعاله ، كما أنّه تعالى خبير بما في بواطن الناس من الأسرار والخفايا والنوايا ويعلم من الذي يتمنى الأماني الخاطئة في قلبه ، ومن يتمنى الأماني الإيجابية الصحيحة البناءة.