ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ التهديد الأوّل ينطوي على جانب معنوي ، والتهديد الثّاني ينطوي على جانب ظاهري ومسخ جسمي ، وذلك بقرينة أن الله قال في هذه الآية : (كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ) ونحن نعلم أن أصحاب السبت ـ كما يتّضح من مراجعة الأعراف ـ قد مسخوا مسخا ظاهريا وجسديا.
وذهب آخرون إلى أن هذا اللعن والطرد من رحمة الله ينطوي أيضا على جانب معنوي بفارق واحد ، هو أنّ التهديد الأوّل إشارة إلى الانحراف والضلال والتقهقر الذي أصابهم،والتهديد الثّاني إشارة إلى معنى الهلاك والفناء (الذي هو أحد معاني اللعن).
خلاصة القول : إنّ أهل الكتاب بإصرارهم على مخالفة الحق يسقطون ويتقهقرون أو يهلكون.
ثمّ إنّ هنا سؤالا آخر هو : هل تحقق التهديد في شأن هؤلاء ، أم لا؟
لا شك أنّ التهديد الأوّل قد تحقق في شأن كثير منهم ، وأمّا التهديد الثّاني فقد تحقق في بعضهم ، ولقد هلك كثير منهم في الحروب الإسلامية ، وذهبت شوكتهم وقدرتهم. وإنّ تأريخ العالم ليشهد كيف تعرضوا بعد ذلك لكثير من الضغوطات في البلاد المختلفة ، وفقدوا الكثير من أفرادهم وعناصرهم ، وخسروا الكثير من طاقاتهم ، ولا يزالون إلى الآن يعيشون في ظروف صعبة وأحوال قاسية.
ثمّ إنّ الله يختم هذه الآية بقوله : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) ليؤكّد هذه التهديدات،فإنّه لا توجد قوّة في الأرض تستطيع أن تقف في وجه إرادة الله ومشيئته.
* * *