بحجج مضحكة لتحاكمهم إلى الطاغوت والرجوع إلى الأجانب ، من جملتها أنّهم كانوا يقولون : إنّ التحاكم إلى الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يناسب شأنه ولا يليق بمقامه ، لأنّ الغالب أن يحصل شجار وصياح في محضر القضاة ومن جانب المتداعيين ، وذلك أمر لا يناسب شأن النّبي ولا يليق بمكانته ومحضره.
هذا مضافا إلى أنّ القضاء ينتهي دائما إلى الإضرار بأحد الطرفين ، ولذلك فهو يثير حفيظته وعداوته ضد القاضي والحاكم ، وكأنّهم بأمثال هذه الحجج الواهية والأعذار الموهونة، كانوا يحاولون تبرئة أنفسهم وتبرير مواقفهم الباطلة ، وادعاء أنّ تحاكمهم إلى غير النّبي كان بهدف التخفيف عن النّبي.
وربّما اعتذروا لذلك قائلين : إنّ هدفنا لم يكن ماديا في الأساس ، بل كان التوصل إلى وفاق بين المتداعيين.
ولكن كشف سبحانه في الآية الثّالثة النقاب عن وجههم ، وأبطل هذه التبريرات الكاذبة وقال : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ).
ولكنّه سبحانه يأمر نبيّه مع ذلك أن ينصرف عن مجازاتهم وعقوبتهم فيقول : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ).
ولقد كان رسول الله يداري المنافقين ما أمكنه لأجل تظاهرهم بالإسلام ، لأنّه كان مأمورا بالتعامل معهم على حسب ظواهرهم ، فلم يكن يجازيهم إلّا في بعض الموارد الاستثنائية ، لأنّهم كانوا بين صفوف المسلمين ـ في الظاهر ـ فكانت مجازاتهم يمكن أن تحمل على أنها نشأت من أغراض شخصية.
ثمّ إنّه سبحانه يأمر النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يعظهم ، وأن ينفذ إلى قلوبهم بالقول البالغ،والعظة المؤثرة ، يذكرهم بنتائج أعمالهم : (وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً).
* * *