ولا يعصونه من الخير والثواب هو خير من كل ما في هذه الدنيا من خيرات.
وفي هذا المقطع القرآني ردّ آخر على أولئك المنافقين ، حيث بيّن أن الموت آتيهم يوما لا محالة ، حتى إذا تحصنوا في قلاع عالية ومنيعة بحسب ظنّهم ، وما دام الموت يدرك الإنسان بهذه الصورة أليس من الخير له أن يموت على طريق مثمر وصحيح كالجهاد؟!
وممّا يلفت الانتباه أنّ القرآن الكريم يطلق في مواقع متعددة اسم «اليقين» على الموت ، كما في الآية (٩٩) من سورة الحجر ، والآية (٤٨) من سورة المدثر ـ ومعنى هذه العبارة القرآنية هو أن الإنسان مهما كانت عقيدته ـ يؤمن بوجود الموت إيمانا لا يخامره فيه شك مطلقا ، ومهما أنكر المرء من حقائق لا يستطيع إنكار الموت الذي يشهده بأم عينه أو يسمع عنه كل يوم ، والإنسان الذي يحب الحياة ويخال أن الموت هو الفناء الذي لا حياة بعده أبدا يخاف من ذكر الموت ويفر من مظاهره.
الآيتان الأخيرتان تؤكدان حقيقة عدم جدوى الفرار من الموت ، فهو يدرك الإنسان يوما ما لا محالة ، وهو حقيقة قطعية يقينية في عالم الوجود.
وعبارة (يُدْرِكْكُمُ) الواردة في الآية الأولى تعني الملاحقة ، واللاحق هو الموت الذي يدرك الإنسان ، وتوحي بأنّ الفرار لا ينقذ الإنسان من هذا المصير الحتمي.
وتؤكد الحقيقة المذكورة الآية الثّامنة من سورة الجمعة إذ تقول : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ).
إذن ليس من العقل والمنطق أن يدرك الإنسان هذه الحقيقة ويفر بعد ذلك من ميدان الجهاد ، ويحرم نفسه أشرف ميتة وهي الشهادة في سبيل الله ، فيموت على فراشه فلو عاش الإنسان بعد فراره من الجهاد أيّاما أو شهورا أو سنوات لتكرر ما فعل ولتكررت أمامه المشاهد الماضية ، فهل من العقل أن يحرم الإنسان نفسه