المشركون ، وهذه الثروات الهائلة التي يحصلون عليها من كل سبيل ليست سوى متاع قليل ، ولذّة عابرة.
(ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) فالملذات المادية تستعقب عواقب سيئة ، فإنّ مسئولية هذه الأموال والثروات ستجرّهم إلى مصير مشؤوم ، ذلك هو الجحيم الذي ستكون محطتهم الأخيرة ومآلهم وبئس المآل.
إنّ هذه الآية تشير ـ في الحقيقة ـ إلى نقطتين :
الأولى : إنّ أكثر مظاهر تفوّق هؤلاء العصاة الطّغاة الظالمين محدودة الأبعاد ، كما أنّ متاعب أكثر المؤمنين ومشاكلهم ومحنهم كذلك مؤقتة ، ومحدودة أيضا.
وأفضل شاهد على هذا الموضوع هو ما نلاحظه في حياة المسلمين وحياة أعدائهم ومناوئيهم في صدر الإسلام.
فحيث أنّ الحكومة الإسلامية كانت آنذاك في بداية أمرها كنبتة شابّة لا تمتلك كل عناصر القوّة والمنعة لم تكن تملك القدرة الكاملة على الدفاع عن حوزتها وكيانها أمام هجوم أعدائها الألداء الذين كانوا يهاجمونها بشراسة ودونما رحمة ، وخاصّة أنّ هجرة المسلمين الذين كانوا جماعة قليلة في مكّة جعلتهم في وضع حرج جدّا إلى درجة أنّهم فقدوا كل شيء في الهجرة ، ولا يختص مثل هذا الوضع بهم ، بل يتعرض لمثل هذه المعاناة ومثل هذا الوضع كل من يناصر ثورة تغييرية ، ونهضة معنوية وروحية جذرية في مجتمع فاسد يراد تغييره بها.
ولكننا نعلم أنّ هذا الوضع لم يدم طويلا ، فما لثبت الحكومة الإسلامية إلّا أن ترسخت جذورها وقويت دعائمها ، واشتدّ أمرها ، وقويت شوكتها ، وانحدرت الأموال إلى مركز الإسلام من كل صوب وحدب ، فانعكس الوضع تماما ، إذ عاد المترفون الكافرون والأعداء المتنعمون الذين كانوا يرفلون في النعيم والخير مساكين وفقدوا كل ذلك النعيم، وهذا هو ما يعنيه قوله سبحانه : (مَتاعٌ قَلِيلٌ).