كلا .. بل يجب أن يلتزم صاحب الدعاء بدوره بمحتوى دعائه ، فحين يدعو المسلم على الطاغوت بزوال سلطانه ، فعليه الّا يخضع لهذا الطاغوت ، لأن خضوعه له نوع من الدعم له ، وبالتالي مخالف لوجهة دعائه ، وحين يلعن الثائر سلطة جائرة فان معنى اللعن ابتعادها عن رحمة الله ، وهكذا يجب عليه الّا يدعم هذه السلطة بل يحاربها أيضا ، كما يطلب من الله أن يحاربها ، لذلك أمر الله تعالى موسى وهارون في مقابل استجابة دعائهما أن يستقيما.
(فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)
والاستقامة تعني مقاومة ضغوط الطاغوت قبل سقوطه ، مثل : السجن ، والتعذيب ، والقتل ، والتجويع ، بيد أن محاربة الطاغوت بحاجة أيضا الى محاربة نهجه الفاسد ، فالفئة المؤمنة يجب أن تغير ذاتها سلوكيا ، ثم تتعهد بتطبيق برامج الله على نفسها في علاقاتها مع بعضها ، وفي اتباعها لقيادتها الرسالية ، وفي سلوكيات أبنائها الشخصية ، وهذا بعض معاني الكلمة الأخيرة في الآية.
[٩٠] وجاوز الله تعالى ببني إسرائيل البحر بسبب استقامتهم ، واتباعهم نهج الرسالة ، وأغرق الله تعالى فرعون وجنوده استجابة لدعاء المؤمنين.
(وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً)
أي لحقهم فرعون استعلاء في الأرض ، وطلبا للسلطة ، وظلما للناس.
(حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)
وهكذا استمر فرعون كافرا حتى جاء العذاب الأليم ، فآمن في الوقت الذي لم ينفعه الايمان.