بخلاف أخيه شهاب الدين (١) فلم يشتغل قليلا ولا كثيرا. ثم إن المذكور اولا لما كان بعد الفتنة ورأى الدنيا قد خلت ، بقي يذهب إلى مصر ويرجع ويصحب الأكابر وتولى وظائف ؛ منها : تدريس الناصرية ونظرها ، ومشيخة الأسدية الجوانية ، وتدريس الأمجدية ، وتصدير في الجامع ، ونصف خطابة مسجد القصب وغير ذلك من الوظائف والأنظار ورأس وبقي معظما بين الناس بغير فضل ولا فضيلة ، فإنه كان رديء المباشرة في الأوقاف إلى الغاية ، مع إظهار دين وتقشف وبراءة ساحة ، ولما مات والده استقر له ولأخيه ما كان بيده من الجهات ، ولم يتزوج قط ، وإنما عقد عقده على ابنة ابن المزلق فيما أظن ولم يدخل بها ، حكى لي شيخنا جمال الدين الطيماني (٢) عنه أنه قال : لم أطأ قط وطأ لا حلالا ولا حراما ، وكان عنده شح لم يبلغنا عنه أنه أحسن إلى أحد ولا آثره بشيء ، وجمعها من غير حل وخلفها لمن لا يعمل فيها بتقوى الله ولا قوة إلا بالله. أخرجت جنازته يوم الثلاثاء ثانيه ، وكان عمره نحو خمسين سنة أو ثلاثين سنة ، وكان أشقر الذقن ، أزرق العينين ، وكان الناس يسمونه زريق ، وولي أخوه شهاب الدين بعده تدريس الناصرية ونظرها. وقام ابن الحسباني ينازعه ، وزعم أن بيده حصة من التدريس والنظر ، وأن قاضي القضاة كان وافقه على ذلك ، ثم قام مع ابن النقيب أي نقيب الأشراف وساعده على ابن الحسباني فاستقرت باسمه. ثم قال الأسدي في ذيله في جمادى الآخرة سنة ثماني عشرة وثمانمائة : وفي يوم السبت حادي عشرة بلغني ان شمس الدين محمد ابن قاضي القضاة شهاب الدين أحمد الباعوني قد رجع من مصر ، وقد أخذ جهات باسمه واسم أخيه برهان الدين (٣) ، نظر الحرمين ، ونصف تدريس الأمجدية ونظرها عن السيد شهاب الدين نقيب الأشراف وغير ذلك ، كل شهر ألف درهم ، وكان ألطنبغا العثماني (٤) قد ساعده على ذلك ، فلما رجع قاضي القضاة يعني ابن حجي ، واستقرت الأمور رتب لهم
__________________
(١) شذرات الذهب ٧ : ٢٠١.
(٢) شذرات الذهب ٧ : ١١١.
(٣) شذرات الذهب ٧ : ٣٠٩.
(٤) شذرات الذهب ٧ : ٣٥٠.