الملك السعيد فتح الدين عبد الملك ابن السلطان الملك الصالح إسماعيل أبي الجيش ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب أحد أكابر الأمراء وأبناء الملوك ، كان من أحاسن الناس ذكاء وفطنة وحسن عشرة ولطافة كلام ، بحيث يسرد الكثير من الكلام بمنزلة الأمثال من قوة ذهنه ولطافة فهمه ، وكان رئيسا من أجود الناس ، توفي عشية الأربعاء عشرين جمادى الأولى ، وصلي عليه ظهر الخميس في صحن الجامع تحت النسر ، ثم أرادوا دفن عند جده لأمه الملك الكامل فلم يتيسر ذلك فدفن بتربة أم الصالح سامحه الله تعالى ، وكان له سماع كثير سمعنا عليه منه ، وكان يحفظ تاريخا جيدا ، وقام ولده الأمير صلاح الدين مكانه في إمرة الطبلخانات وجعل أخوه في عشرته ، ولبسا الخلع السلطانية بذلك انتهى.
وقال في سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة : الخاتون المصونة خاتون بنت الملك الصالح إسماعيل بن العادل بن أبي بكر بن أيوب بن شادي ، توفيت بدارها وتعرف بدار كافور ، وكانت رئيسة محترمة ، ولم تتزوج قط ، وليس في طبقتها من بني أيوب غيرها في هذا الحين توفيت يوم الخميس الحادي والعشرين من شعبان ، ودفنت بتربة أم الصالح رحمها الله تعالى انتهى. درّس بها القاضي العلامة نجم الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن خلف بن راجح بن بلال ابن هلال بن عيسى المقدسي الحنبلي ثم الشافعي ، ولد في شعبان سنة ثمان وسبعين وخمسمائة ، وقرأ المقنع على مؤلفة سنة ثلاث عشرة ، واشتغل في مذهب الإمام أحمد ، ودرّس في مدرسة الشيخ أبي عمر رحمهالله تعالى ، وسافر إلى بغداد وله سبع عشرة سنة فسمع من ابن الجوزي وغيره ، ورحل إلى همذان فأخذ عن الركن الطاوسي ، ولازمه مدة حتى صار معيده ، وبرع في علم الخلاف وصار له صيت بتلك البلاد ومنزلة رفيعة ، ثم اشتغل في مذهب الشافعي ، وعاد إلى دمشق وله جلالة ومكانة ، وكان لا يترك الاشتغال ليلا ونهارا ، ويطالع كثيرا ويشتغل ، ودرّس بالشامية البرانية كما تقدّم وبأم الصالح هذه وبالعذراوية وبالصارمية كما سيأتي ، وناب في القضاء. قال أبو شامة :