الملوك وأسعدهم سيرة. ولكن كان فيه عسف ويعاقب على الذنب اليسير شديدا ، وكان يكرم العلماء والشعراء والفقراء ، أقام في الملك ثلاثين سنة ، وحضر كثيرا من الغزوات مع أبيه ، وكان ذكيا له رأي جيد ، وعبارة وعادة سارة ، وفطنة حسنة ، وعمره اربع واربعون سنة ، ولما حضرته الوفاة جعل الملك من بعده لولده الملك العزيز غياث الدين محمد وهو ابن ثلاث سنين ، وقد كان له أولاد كبار ولكنه عهد إلى هذا من بينهم لأنه كان من بنت عمه العادل وأخواله الأشرف والمعظم (١) والكامل وجده العادل لا ينازعونه ، وهذا وقع سرا وبايع له جده العادل وخاله الأشرف صاحب حران والرها وخلاط وهمّ المعظم بنفض ذلك فلم يتفق له. وقام بتدبير مملكته الطواشي شهاب الدين طغرل (٢) الرومي الأبيض ، وكان دينا عاقلا انتهى.
قال الأسدي في تاريخه : في سنة عشر وستمائة وفي ذي الحجة ولد الملك المنصور محمد بن الظاهر صاحب حلب من ضيفة خاتون بنت الملك العادل. قال ابن واصل : فزينت له حلب وصاغ له عشرة من المهود من الذهب والفضة ، وفتح للطفل ثلاث ترجيات من اللؤلؤ والياقوت ، ودرعان وخوذتان ويرك طوان من اللؤلؤ وغير ذلك ، وثلاثة سروج مجوهرة ، وثلاثة سيوف غلفها بالذهب والياقوت ، ورماح أسنتها جوهر منظوم ، وفرحوا به فرحا شديدا انتهى ، وقال الأسدي أيضا : الملك الظاهر غازي صاحب حلب بن يوسف بن أيوب بن شادي بن مروان السلطان الملك الظاهر غياث الدين أبو منصور ابن السلطان صلاح الدين صاحب حلب ، ولد بمصر في شهر رمضان سنة ثمان وستين ، وسمع بالإسكندرية من ابن عوف (٣) ، وبمصر من ابن بري ، وبدمشق من الفضل البانياسي ، وحدث بحلب وولي سلطنتها ثلاثين سنة.
قال الموفق بن عبد اللطيف : كان جميل الصورة ، رائع الملاحة ، موصوفا
__________________
(١) شذرات الذهب ٥ : ١٧١.
(٢) شذرات الذهب ٥ : ١٤٥.
(٣) شذرات الذهب ٤ : ٢٦٨.