ومنهم الإمام العلامة الأوحد المفنن الفقيه المحدث المفسر الواعظ زين الدين أبو حفص عمر بن مسلّم بن سعيد بن عمر بن بدر بن مسلم القرشي الملحي (١) (بفتح الميم واللام) الدمشقي ولد في شعبان سنة أربع وعشرين وسبعمائة ، وورد دمشق بعد الأربعين ، واشتغل في الفقه على خطيب جامع الجراح شرف الدين قاسم ، وأخذ عن الشيخ علاء الدين حجي ، وأخذ علم الأصول عن الشيخ بهاء الدين الأخميمي ، واشتغل في الحديث وشرع في علم المواعيد ، فكان يعمل مواعيد نافعة ، ويقيد الخاصة والعامة ، وانتفع به خلق كثير من العوام ، وصار لديه فضيلة وأفتى وتصدى للافادة ، ودرس بالمسرورية ثم بالناصرية ، ووقع بينه وبين قاضي القضاة برهان الدين ابن جماعة بسببها ، وحصل له محنة ثم عوض عنها بالأتابكية ثم أخذت منه ، فلما ولّي ولده شهاب الدين أحمد قضاء دمشق في سنة إحدى وتسعين ترك له الخطابة وتدريس الناصرية والأتابكية ثم فوض إليه دار الحديث الأشرفية هذه ، فلما جاءت دولة الظاهر برقوق أخذ واعتقل مع ابنه في القلعة ، وجرت لهما محن ، وطلب منهما أموال فرهن كثيرا من كتبه على المبلغ الذي طلب منهما. وولده هذا درّس في الحلقة الكندية بالجامع الأموي في شهر ربيع الأول سنة ست وسبعين ووليّ مشيخة الشيوخ والأسرار وغير ذلك. قال الحافظ شهاب الدين بن حجي (٢) : برع الشيخ زين الدين في علم التفسير وأما علم الحديث فكان حافظا للمتون عارفا بالرجال وكان سمع الكثير من شيوخنا وله مشاركة في العربية انتهى. وقال الشيخ تقي الدين الأسدي : وكان القاضي تاج الدين يعني السبكي هو الذي أدخله بين الفقهاء فلما حصل له المحنة كان ممن قام عليه ، وكان مشهورا بقوة الحفظ ودوامه ، إذا حفظ شيئا لا ينساه ، كثير الإنكار على أرباب الشبه ، شجاعا مقداما كثير المساعدة لطلبة العلم ، يقول الحق على من كان من غير مداراة في الحق ولا محاباة ، وملك من نفائس
__________________
(١) شذرات الذهب ٦ : ٣٢٣.
(٢) ابو العباس أحمد بن حجي الحسباني توفي ٨١٦ هجرية شذرات الذهب ٧ : ١١٦.