وكان بيده تدريس المنجكية وبعض العذراوية وغير ذلك ، وتوفي يوم الأربعاء سادس عشرينه ، ودفن بالمقدمية البرانية على واقفها ، واستنكر الناس ذلك انتهى. وقال ابن حجي في سنة أربع عشرة المذكورة : وفي ثامن صفر منها درس الشيخ شرف الدين الأنطاكي النحوي بالمدرسة المنجكية عند الخلخال ، تلقاها عن القاضي ابن القطب بواسطة كاتب السر ، كان أخذ الوظائف ، ثم تركها لابنه الصغير والأوسط ، واستثنى هذه وأعطاها للأنطاكي ، وحضر عنده بعض القضاة وبعض العلماء ، وجاء ولده الكبير وجعل ينازع الشيخ شرف الدين لأخيه الصغير ، فجعل النصف لليتيم والنصف لشرف الدين انتهى.
وقال الأسدي في تاريخه في السنة المذكورة : وفي يوم الأربعاء أو يوم الأحد ثامن عشرين صفر بلغني أن الأنطاكي ، درّس في المنجكية عوضا عن القاضي جمال الدين القطب انتهى. وقال في شعبان سنة خمس عشرة وثمانمائة : الشيخ شرف الدين محمود الأنطاكي الحنفي ، شيخ هذه البلاد في النحو والتصريف ، اشتغل عليه غير واحد من أعيان البلد ، وتنبهوا وفضلوا وماتوا قبله ، منهم شمس الدين الحمصي ، وابن سيف الحنفي ، وبدر الدين ابن قاضي أذرعات ، وكان يجلس في أول أمره وينفع الناس كثيرا ، وكان هو والأنباري يتنازعان المشيخة في النحو ، لكن هذا أعلم منه في النحو ، والأنباري أعلم باللغة وأحفظ للشعر ، وكان يتردد إلى الأكابر ويقرئهم بالأجرة ، ويشهد ويكتب خطا حسنا جدا ، ولا يزال فقيرا يضرب به المثل في الفقر ، ولما كان بعد الفتنة زاد فقره حتى أنه لبس عدلا في بعض الأحيان ، وجلس مقابل الجركسية بالصالحية يشهد ، وكان في شهاداته مقال ، وينسب إلى أشياء معلومة مشهورة لا حاجة بنا إلى ذكرها ، وكان في غاية القدرة على النظم والنثر وعلى الكلام ، وكلما زاد فضلا زاد تأخرا ، وكان رثّ الهيئة والملبس ، وكان في آخر أمره قليل النفع لمن يقرأ عليه ، وقد درس في آخر عمره بالمنجكية بعد ابن القطب ، وجرى له نزاع مع أولاد ابن القطب ، وكان في غاية الظرف ، له كلمات مأثورة محفوظة