الأخلاق جوادا من حسنات الدهر ، وكان من أنجم الهدى وإنما اختفى بين نور القمر وضوء الشمس إشارة إلى أبيه وابنه الشيخ تقي الدين ، فان فضائله وعلومه انغمرت بين فضائلها وعلومهما ، توفي رحمهالله تعالى ليلة الأحد سلخ ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين وستمائة بدمشق ودفن من الغد بسفح جبل قاسيون انتهى. ولم يذكر أنه ولي مشيخة السكرية وقال إنه دفن بالسفح وهو وهم وإنما دفن بالصوفية كما قاله ابن كثير. ثم قال أيضا في تاريخه في سنة ثلاث وثمانين وستمائة وفي يوم الاثنين ثاني المحرم منها : درّس الشيخ الامام العالم العلامة تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني بدار الحديث السكرية التي بالقصاعين وحضر عنده قاضي القضاة بهاء الدين يوسف بن الزكي الشافعي ، والشيخ تاج الدين الفزاري شيخ الشافعية ، والشيخ زين الدين بن المرحل والشيخ زين الدين المنجا الحنبلي (١) وكان درسا هائلا حافلا يعنى في البسملة كما ذكره ابن مفلح في طبقاته ، وقد ذكره الشيخ تاج الدين الفزاري بخطه لكثرة فوائده وكثرة ما استحسنه الحاضرون. وقد أطنب الحاضرون في شكره على حداثة سنه وصغره ، فانه كان إذ ذاك عمره عشرين سنة وسنتين ، ثم جلس الشيخ تقي الدين المذكور أيضا يعني مكان والده بالجامع كما ذكره ابن كثير يوم الجمعة عاشر صفر بالجامع الأموي بعد صلاة الجمعة على منبر قد هيء له لتفسير القرآن العزيز فابتدأ من أوله في تفسيره ، وكان يجتمع عنده الخلق الكثير والجم الغفير ، ومن كثرة ما كان يورد من العلوم المتنوعة المحررة مع الديانة والزهادة والعبادة سارت بذكره الركبان في سائر الأقاليم والبلدان واستمر على ذلك مدة سنين متطاولة.
زاد ابن مفلح في طبقاته وأنه كان بورد من حفظه في المجلس نحو كراسين أو أكثر وبقي يفسر في سورة نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام عدة سنين. وأطال في ترجمته كثيرا ، وشهرته تغني عن الاطناب في ذكره
__________________
(١) شذرات الذهب ٥ : ٤٣٣.