السودان الذين يعرفونهم بالحرّابة يطوفون أمامه وبأيديهم الحراب. وهو في هيئة اختصار عليه السكينة والوقار وسمت سلفه الكريم ، رضياللهعنهم ، لابسا ثوب بياض متقلّدا سيفه مختصرا متعمّما بكرزية صوف بيضاء رقيقة ، فلمّا انتهى بإزاء المقام الكريم وقف وبسط له وطاء كتّان فصلّى ركعتين. ثم تقدّم الى الحجر الأسود فقبّله وشرع في الطواف ، وقد علا في قبة زمزم صبي ، هو أخو المؤذن الزمزمي ، وهو أول المؤذنين أذانا ، به يقتدون وله يتبعون ، وقد لبس أفخر ثيابه وتعمم ، فعندما يكمل الأمير شوطا واحدا ويقرب من الحجر يندفع الصبي في اعلى القبة رافعا صوته بالدعاء ويستفتحه بصبّح الله مولانا الأمير بسعادة دائمة ونعمة شاملة. ويصل ذلك بتهنئة الشهر بكلام مسجوع مطبوع حفيل الدعاء والثناء. ثم يختم ذلك بثلاثة أبيات أو أربعة من الشعر في مدحه ومدح سلفه الكريم وذكر سابقة النبوّة ، رضياللهعنهم ، ثم يسكت ، فإذا أطل من الركن اليماني يريد الحجر اندفع بدعاء على ذلك الاسلوب ، ووصله بأبيات من الشعر غير الابيات الأخر في ذلك المعنى بعينه كأنها منتزعة من قصائد مدح بها. هكذا في السبعة الأشواط الى أن يفرغ منها. والقرّاء في اثناء طوافه أمامه. فينتظم من هذه الحال والأبهة وحسن صوت ذلك الداعي على صغره لأنه ابن إحدى عشرة سنة أو نحوها ، وحسن الكلام الذي يورده نثرا ونظما ، وأصوات القرّاء وعلوّها بكتاب الله ، عزوجل ، مجموع يحرك النفوس ويشجيها ويستوكف العيون ويبكيها ، تذكّرا لأهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهرهم تطهيرا. فإذا فرغ من الطواف ركع عند الملتزم ركعتين ثم جاء وركع خلف المقام ايضا ثمّ ولّى منصرفا وحلبته تحف به. ولا يظهر في الحرم إلّا لمستهل هلال آخر ، هكذا دائما.
والبيت العتيق مبني بالحجارة الكبار الصم السمر قد رصّ بعضها على بعض والصقت بالعقد الوثيق إلصاقا لا تحيله الأيام ولا تقصمه الأزمان. ومن العجيب أن قطعة انصدعت من الركن اليماني فسمّرت بمسامير فضّة واعيدت كأحسن ما كانت ، والمسامير فيها ظاهرة.