ومن آيات البيت العتيق أنه قائم وسط الحرم كالبرج المشيد وله التنزيه الأعلى. وحمام الحرم لا تحصى كثرة ، وهي من الأمن بحيث يضرب بها المثل ، ولا سبيل أن تنزل بسطحه الأعلى حمامة ولا تحل فيه بوجه ولا على حال. فترى الحمام يتجلى على الحرم كله ، فإذا قربت من البيت عرجت عنه يمينا أو شمالا. والطيور سواها كذلك. وقرأت في أخبار مكة أنه لا ينزل عليه طائر إلا عند مرض يصيبه ، فإما أن يموت في حينه أو يبرأ. فسبحان من أورثه التشريف والتكريم.
ومن آياته أن بابه الكريم يفتح في الأيام المعلومة المذكورة ، والحرم قد غص بالخلق ، فيدخله الجميع ولا يضيق عنهم بقدرة الله ، عزوجل ، ولا يبقى فيه موضع الا ويصلي فيه كل احد. ويتلاقى الناس عند الخروج منه ، فيسأل بعضهم بعضا : هل دخل البيت ذلك اليوم؟ فكل يقول : دخلت وصليت في موضع كذا وموضع كذا حيث صلى الجميع. ولله الآيات البينات والبراهين المعجزات ، سبحانه وتعالى.
ومن عجائب اعتناء الله تبارك وتعالى به أنه لا يخلوا من الطائفين ساعة من النهار ولا وقتا من الليل. فلا تجد من يخبر أنه رآه دون طائف به ، فسبحان من كرّمه وعظّمه وخلد له التشريف إلى يوم القيامة.
وفي أعلى بلاطات الحرم سطح يطيف بها كلها من الجوانب الأربعة ، وهو مشرّف كله بشرفات مبسوطة مركّنة ، في كل جانب من الشرفة ثلاثة اركان كأنها أيضا شرفات أخر صغار. والركن الأسفل منها متّصل بالركن الذي يليه من الشرفة الأخرى. وتحت كل صلة منها ثقب مستدير في دور الشبر منفوذ يخترقه الهواء يضرب فيه شعاع الشمس أو القمر فيلوح كأنها أقمار مستديرة ، يتصل ذلك بالجوانب الأربعة كلها ، كأن الشرفات المذكورة بنيت شقة واحدة ثم احدثت فيها هذه التقاطيع والتراكين فجاءت عجيبة المنظر والشكل.
وفي النصف من كل جانب من الجوانب الأربعة المذكورة شقّة من الجص