وكان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يعلّم الناس القرآن ، وينظّم امور المجتمع على ضوء تعاليمه ، فكان كلّما نزل عليه الوحي حفظ الآية الكريمة أو السورة المباركة ، وأمر الكتّاب بكتابتها ثمّ أبلغها الناس ، وأقرأها القرّاء واستحفظهم إيّاها ، وهم يقومون بدورهم بنشر ما حفظوه ووعوه ، وتعليمه لسائر المسلمين حتى النساء والصبيان.
وهكذا كانت الآيات تحفظ بألفاظها ومعانيها ، وكانت أحكام الإسلام وتعاليمه تنشر وتطبّق في المجتمع الإسلامي.
غير أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يلقي إلى سيّدنا أمير المؤمنين عليهالسلام ـ إبتداءً أو كلّما سأله ـ تفسير الآيات وحقائقها ، والنسب الموجودة فيما بينها ، من المحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، والمطلق والمقيّد ، والمجمل والمبيّن ، إلى غير ذلك ... يقول عليهالسلام :
« وقد علمتم موضعي من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره وأنا ولد ، يضمّني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويمسّني جسده ، ويشمّني عرفه ، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه ، وما وجد لي كذبة في قول ، ولا خطلة في فعل ، ولقد قرن الله به صلىاللهعليهوآلهوسلم من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته ، يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ، ليله ونهاره ، ولقد كنت أتبعه اتّباع الفصيل أثر أمّه ، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالإقتداء به.
ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء ، فأراه ولا يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وخديجة وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحي والرسالة ، وأشم ريح النبوة ، ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقلت : يا رسول الله ما هذه الرنّة؟ فقال : هذا الشيطان قد أيس من عبادته ، إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى ، إلاّ أنّك لست بنبيّ ، ولكنّك لوزير ، وإنّك لعلى خير ... » (١).
وبذلك توفّرت في شخصة ـ دون غيره ـ الأعلمية بالكتاب والسنّة ،
__________________
(١) نهج البلاغة : ٣٠٠ | ١٩٢.