جعفر الخرائطي ، نا علي بن عبد الله الأنماطي ، حدثني جماعة من شيوخ حمص قالوا :
كان عبد السّلام بن رغبان الملقّب بديك الجن شاعرا أديبا ذا نغمة حسنة ، وكان له غلام كالشمس ، وجارية كالقمر ، وكان يهواهما جميعا ، فدخل يوما منزله فوجد الجارية معانقة للغلام تقبّله ، فشدّ عليهما فقتلهما ، ثم جلس عند رأس الجارية فبكاها طويلا ثم قال (١) :
يا طلعة طلع الحمام عليها |
|
وجنى لها ثمر الرّدى بيديها |
روّيت من دمها الثّرى ولطال ما |
|
روّى الهوى شفتيّ من شفتيها |
فأجلت (٢) سيفي في مجال خناقها |
|
ومدامعي تجري على خديها |
فو حقّ عينيها فما وطئ الثّرى |
|
شيء أعزّ علي من عينيها (٣) |
ما كان قتلها لأنّي لم أكن |
|
أبكي إذا سقط الغبار (٤) عليها |
لكن بخلت على سواي بحسنها (٥) |
|
وأنفت من نظر الغلام (٦) إليها |
ثم جلس عند رأس الغلام فبكى ، وأنشأ يقول (٧) :
أشفقت أن يرد الزمان بغدره |
|
أو ابتلى بعد الوصال بهجره |
قمر أنا استخرجته من دجنه |
|
بمودتي (٨) وجنيته من خدره |
فقتلته وله عليّ كرامة |
|
ملء الحشا وله الفؤاد بأسره |
__________________
(١) الأبيات في الأغاني ١٤ / ٥٧ ووفيات الأعيان ٣ / ١٨٦.
وقال أبو الفرج الأصفهاني أنها تروى لغير ديك الجن ، لرجل من غطفان يقال له السّليك بن مجمّع. وذكر قصة هذه الأبيات.
(٢) في وفيات الأعيان : «مكّنت سيفي» وصدره في الأغاني :
قد بات سيفي في مجال وشاحها.
(٣) روايته في الأغاني ووفيات الأعيان :
فو حق نعليها وما وطئ الحصى ... من نعليها
(٤) الأغاني : الذباب.
(٥) وفيات الأعيان : «بحبها.» وصدره في الأغاني :
لكن ضننت على العيون بحسنها
(٦) الأغاني : الحسود.
(٧) الأبيات في الأغاني ١٤ / ٥٨ ـ ٥٩ قالها في المقتولة. ووفيات الأعيان ٣ / ١٨٧.
(٨) عجزه في الأغاني ووفيات الأعيان :
لبليتي وجلوته من خدره
في الوفيات : ورفعته بدل وجلوته.