مال كثير ، فما أدرك بصره من ذلك المال شيئا إلّا وفيه عائه (١) قائمة على ولدها ؛ إمّا فرس ، وإمّا ناقة ، وإما وليدة ، وإما نعجة ، وإمّا عنز فقال عبد العزيز لغلام له : لمن هذا المال؟ قال : لآل زرارة ، فقال عبد العزيز : إنّي لأرى مالا إنّ له انصراما (٢) ، اللهم أحسنت زراعة آل زرارة فأحسن صرامهم (٣) ، اللهم إنّ عبد العزيز يشهدك أن قد حبس ماله ونفسه وأهله في سبيل الله.
قال : ثم أتى أباه فقال : يا أبة ما ترى في رأيي ارتأيته؟ قال : تطاع فيه ، وتنعم عينا يا عبد العزيز ، قال : فإنّي قد حبست نفسي وأهلي ومالي في سبيل الله ، قال : فارتحل يا عبد العزيز على بركة الله ، قال : فأصبح على ظهر يصلح من أمره ، فلمّا وجه ذلك السّوام أقبل على أهله يقود جمله ، حتى وقف عليهم وقال : إنّ لي فيكم قرائب ، فلا تزوّجوهن إلّا رجلا يرضينه (٤).
وخرج رافعا عقيرته يتغنى :
رحنا من الوعساء وعساء حمة |
|
لأجر وكنا قبلها بنعيم |
فما أنسيتنا العيس أن قذفت بنا |
|
نوى غربة وللعهد غير قديم |
فإن أمر قد ودعت نجدا وأهله |
|
فما عهد نجد عندنا بذميم |
فلما ... (٥) زمان من دون أرضنا |
|
... (٦) وواجهنا بلاد تميم |
بكيت .... (٧) ودعتني بصده |
|
عن الثدي رجرا القيام عقيم |
وإنّ امرأ يرجو رجوعي وقد أتت |
|
ركابي على خب لغير حليم |
وحكى عبد الله بن سعد القطربلي عن الواقدي قال :
وجعل ـ يعني في غزوة يزيد القسطنطينية ـ سنة خمسين عبد العزيز بن زرارة الكلابي يتعرض للشهادة ، فالتحمت الحرب يوما ، واشتدت المقارعة فأنشأ عبد العزيز يقول :
قد عشت في الدهر أطوارا على طرق |
|
شتى فصادفت منها اللين والشّبعا |
ولا بلوت ولا النعمى ينظرني |
|
ولا تخسفت من لا والها جرعا |
لا يملأ الأمر صدري قبل موقعه |
|
ولا أضيق به ذرعا إذا وقعا |
ثم شد على من يليه ، فقتل وانعمس في جمهورهم فسحرته العلوج برماها ، فاستشهد.
__________________
(١) كذا رسمها بالأصل بدون إعجام. (٢) الأصل : «نصراما».
(٣) صرامهم : صرمه : قطعه بائنا ، وصرم النخل والشجر : جزّه ، وأصرم النخل : حان له أن يصرم ، وصرامه : أوان إدراكه (انظر تاج العروس بتحقيقنا : مادة صرم).
(٤) الأصل : يرضيه.
(٥ و ٦ و ٧) كلمة غير معجمة لم أتبينها.