مقدّما عند أهل المدينة في الأدب والفهم ، ظاهر النصب والعداوة لأهل البيت.
فأحضره عمر بن الفرج وعيّن له راتبا من بيت المال وتقدّم إليه بما أراد ، وعرّفه أنّ السلطان أمره باختيار مثله وتوكيله بهذا الصبي وتعليمه ومنع الرافضة من الدخول إليه ، فقبل ذلك كلّه ، وكان يلازم أبا الحسن عليهالسلام في القصر نهارا فإذا كان الليل أغلق عليه الباب وأخذ المفاتيح ، فمكث على ذلك مدّة وانقطعت الشيعة عنه وعن الاستماع عنه والقرائة عليه.
قال محمّد بن جعفر : ثمّ إنّي لقيته يوم الجمعة وقلت له : ما حال هذا الصبي الذي تؤدّبه؟ فقال منكرا عليّ : أتقول هذا الصبي ولا تقول الشيخ ، أنشدك بالله هل تعرف بالمدينة من هو أعرف منّي في الأدب والعلم؟ قلت : لا ، فقال : إنّي والله لأذكر الحرف في الأدب وأظنّ أنّي قد بالغت فيه ثمّ إنّه يملي عليّ فيه أبوابا أستفيده منّه فيظنّ الناس إنّي أعلّمه ، وأنا والله أتعلّم منه.
قال : فتجاوزت عن كلامه هذا كأنّي لم أسمعه ثمّ لقيته بعد ذلك فسلّمت عليه وسألت عن خبره وحاله ، فقلت له : ما حال الصبي؟ فقال : دع عنك هذا القول ، والله تعالى لهو خير أهل الأرض وأفضل من برأه الله تعالى ، وإنّه لربّما همّ بدخول الحجرة فأقول له : حتّى تقرأ عشرا ، فيقول : أيّ سورة تريد أن أقرأها ، فأذكر له السور الطوال ما لم يبلغ إليه ، فيسرع بقرائتها لم أسمع أصحّ منها ، وصوت أطيب من مزامير داود التي يضرب به المثل ، وإنّه حافظ القرآن من أوّله إلى آخره ، ويعلم تأويله وتنزيله.
ثمّ قال المعلم الجنيدي : هذا صبيّ صغير ونشأ بالمدينة بين الجدران السود فمن أين علم هذا العلم الكثير؟! يا سبحان الله! ما أعجب هذا.
قال محمّد بن جعفر : ثمّ لقيت المعلّم الجنيدي وقد نزع عن النصب وتاب وعرف الحقّ وقال بإمامته عليهالسلام.