فلمّا استكمل أربعين سنة ، ونظر الله إليه وإلى قلبه فوجده أفضل القلوب وأجلّها وأطوعها وأخشعها وأخضعها ، أذن لأبواب السماوات ففتحت ومحمّد صلىاللهعليهوآله ينظر إليها ، وأذن للملائكة فنزلوا ومحمّد رسول الله صلىاللهعليهوآله ينظر إليهم ، وأمر بالرحمة فأنزلت عليه من لدن ساق العرش إلى رأس محمّد وغمرته ، ونظر إلى جبرئيل الروح الأمين ـ المطوّق بالنور طاووس الملائكة ـ فهبط إليه فأخذ بعضده وهزّه ، وقال : يا محمّد اقرأ ، قال : وما أقرأ؟ قال : يا محمّد (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ)(١) إلى قوله : (ما لَمْ يَعْلَمْ)(٢) ، ثمّ أوحى إليه ما أوحى إليه ربّه عزوجل.
ثمّ صعد إلى العلوّ ، ونزل محمّد صلىاللهعليهوآله عن الجبل وقد غشيه ـ من تعظيم جلال الله ، وورد عليه من كبر شأنه ما لا يوصف وكان يخاف من تكذيب قريش في خبره ، فأراد الله عزوجل أن يشرح صدره ويشجّع قلبه ، فأنطق الجبال والصخور والمدر ، وكلّما وصل إلى شيء منها ناداه : السّلام عليك يا محمّد ، السّلام عليك يا وليّ الله ، السّلام عليك يا رسول الله ، أبشر فإنّ الله عزوجل قد فضّلك وجمّلك وزيّنك وأكرمك فوق الخلائق أجمعين من الأوّلين والآخرين ، لا يحزنك أن تقول قريش إنّك مجنون ، وعن الدين مفتون ، فإنّ الفاضل من فضّله ربّ العالمين ، والكريم من كرّمه خالق الخلق أجمعين ، فلا يضيقنّ صدرك من تكذيب قريش وعتاة العرب لك ، فسوف يبلغك ربّك أقصى الكرامات ، ويرفعك ربّك إلى أرفع الدرجات ، وسوف ينعّم الله ويفرّح أولياءك بوصيّك عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، وسوف يبثّ علومك في العباد والبلاد ، فمفتاحك وباب مدينة حكمتك عليّ بن
__________________
(١) العلق : ١ و ٢.
(٢) العلق : ٥.