خويلد ، وكان من مكّة إلى بيت المقدس مسيرة شهر ، وكانوا في حمّارة القيظ يصيبهم حرّ تلك البراري ، وربّما عصفت عليهم فيها الرياح وسفت عليهم الرمال والتراب ، وكان الله تعالى في تلك الأحوال يبعث لرسول الله صلىاللهعليهوآله غمامة تظلّه فوق رأسه ؛ تقف لوقوفه ، وتزول لزواله ، إن تقدّم تقدّمت ، وإن تأخّر تأخّرت ، وإن تيامن تيامنت ، وإن تياسر تياسرت ، وكانت تكفّ عنه حرّ الشمس من فوقه ، وكانت تلك الرياح المثيرة لتلك الرمال والتراب تسفيها في وجوه قريش ووجوه رواحلها ، حتّى إذا دنت من محمّد صلىاللهعليهوآله هدأت وسكنت ولم تحمل شيئا من رمل ولا تراب ، وهبّت عليه ريح باردة ليّنة ، حتّى كانت قوافل قريش يقول قائلها : جوار محمّد صلىاللهعليهوآله أفضل من جوار خيمة ، فكانوا يلوذون به ويتقرّبون إليه ، فكان الرّوح يصيبهم بقربه ، وإن كانت الغمامة مقصورة عليه.
وكان إذا اختلط بتلك القوافل غرباء فإذا الغمامة تسير في موضع بعيد منهم ، قالوا : إلى من قرنت هذه الغمامة فقد شرف ذكره ، فيخاطبهم أهل القافلة : انظروا إلى الغمامة تجدوا عليها اسم صاحبها واسم صاحبه وصفيّه وشقيقه ، فنيظرون فيجدون مكتوبا عليها : «لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، أيّدته بعليّ سيّد الوصيّين ، وشرّفته بأصحابه الموالين له ولعليّ وأوليائهما والمعادين لأعدائهما» ، فيقرأ ذلك ويفهمه من يحسن أن يقرأ ويكتب ، ومن لا يحسن ذلك.
قال عليّ بن محمّد الهادي عليهالسلام : وأمّا تسليم الجبال والصخور والأحجار عليه ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله لمّا ترك التجارة إلى الشام وتصدّق بكلّ ما رزقه الله تعالى من تلك التجارات ، كان يغدو كلّ يوم إلى حراء ؛ يصعده وينظر من قلّته إلى آثار رحمة الله وأنواع عجائب حكمته وبدائع صنعه ، وينظر إلى أكناف السماء وأقطار الأرض والبحار والمفاوز والفيافي ، فيعتبر بتلك الآثار ، ويتذكّر بتلك الآيات ، ويعبد الله حقّ عبادته.