لأنّهم كما زعمت قالوا : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) ونحن نقول : لن نؤمن لك حتّى تأتي بالله والملائكة قبيلا نعاينهم.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا أبا جهل أما علمت قصّة إبراهيم الخليل لمّا رفع في الملكوت ، وذلك قول ربّي : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ)(١) قوّى الله بصره لمّا رفعه دون السّماء حتّى أبصر الأرض ومن عليها ظاهرين ومستترين ، فرأى رجلا وامرأة على فاحشة ، فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ، ثمّ رأى آخرين ، فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ، ثمّ رأى آخرين فهمّ بالدّعاء عليهما فأوحى الله إليه : يا إبراهيم إكفف دعوتك عن عبادي وإمائي فإنّي أنا الغفور الرّحيم الجبّار الحليم ، لا يضرّني ذنوب عبادي كما لا تنفعني طاعتهم ، ولست أسوسهم بشفاء الغيظ كسياستك ، فاكفف دعوتك من عبادي وإمائي فإنّما أنت عبد نذير لا شريك في الملك ولا مهيمن عليّ ولا على عبادي ، وعبادي معي بين خلال ثلاث : إمّا تابوا إليّ فتبت عليهم وغفرت ذنوبهم وسترت عيوبهم ، وإمّا كففت عنهم عذابي لعلمي بأنّه سيخرج من أصلابهم ذرّيّات مؤمنون ؛ فأرفق بالآباء الكافرين وأتأنّى بالامّهات الكافرات ، وأرفع عنهم عذابي ليخرج ذلك المؤمن من أصلابهم ، فإذا تزايلوا حلّ بهم عذابي وحاق بهم بلائي ، وإن لم يكن هذا ولا هذا فإنّ الّذي أعددته لهم من عذابي أعظم ممّا تريده بهم ، فإنّ عذابي لعبادي على حسب جلالي وكبريائي ، يا إبراهيم خلّ بيني وبين عبادي فأنا أرحم بهم منك ، وخلّ بيني وبين عبادي فإنّي أنا الجبّار الحليم العلّام الحكيم ، ادبّرهم بعلمي ، وأنفذ فيهم قضائي وقدري.
يا أبا جهل إنّما دفع عنك العذاب لعلمه بأنّه سيخرج من صلبك ذرّيّة طيّبة
__________________
(١) الأنعام : ٧٥.