حمس المذنب ، ومثل قولهم إذا طلعت الشّعرى : جعل صاحب النّخل يرى ، ومثل قول الشاعر شعرا :
فلمّا مضى نوء الثّريا وأخلفت |
|
هواد من الجوزاء وانغمس الغضر |
ومثل قوله :
هنا ناهم حتّى أعان عليهم |
|
عزالى السّحاب في اغتماسه كوكب |
فهذه السّقوط وما أشبهه هو بالغداة ، وإذا ذكر ذلك من نجوم الأخذ خاصة فهو النوء ، ألا ترى أنّهم لمّا أرادوا الطّلوع بالغداة قالوا : إذا طلع النّجم فالحرّ في خدم ، فجاء مرسلا غير مضاف. ولما أرادوا طلوعه لغير الغداة قالوا : إذا طلع النّجم عشاء ابتغى الرّاعي كساء ، فجاء مضافا إلى الوقت. وأما قول القائل : حين البارحة حين غاب النّجم وذهبن ليلة كذا ، حين طلع السّماك فإنّما المراد بذلك ، وقت المجيء والذّهاب من تلك اللّيلة بعينها ، وليس من الأوّل في شيء ، ومنه قول الشاعر شعرا :
حتى إذا خفق السّماك وأسحرا |
|
ونبا لها في الشّدّ أيّ نبال |
ومثل قول الآخر :
فعرسن والشّعرى تغور كأنّها |
|
شهاب غضا يرمى به الرّجوان |
وإذا جاء ذكر المغيب مرسلا ، فالمراد حينئذ الغيبوبة التي هي ابتداء الاستسرار وذلك قولهم: غرب الثّريا أعوه من شرفها ، وكقولهم : مطر الثّريا صيف كلّه وهذا الغرب غير السّقوط الذي هو النوء ، ومطر نوء الثّريّا وسمي ومن هذا الجنس قول الشاعر :
فيمّمت سيرا سريع الرّجا |
|
ء مائل من راجل يركب |
مغيب سهيل صدور الرّكا |
|
ب سيرا يشقّ على المعتب |
فهذا كلّه غيبوبة الاستسرار ، ولا يكون إلا بالعشيّات على أثر مغيب الشّمس ثم لا تراه بعد ذلك حتى يتمّ استسراره ، ثم يكون أوّل ظهوره بالغدوات وقد اختلف النّاس في معنى النّوء : فبعضهم يجعله النّهوض ، قال : لأنه سمى نوى الطّلوع الرّقيب لا لسقوط السّاقط ، وهذا ليس بمنكر في اللّغة ، لأنّ هذه اللّفظة تعدّ في الأضداد ، قال أبو حنيفة : هو النّهوض ، ولكنّه نهوض الذي كأنه يميله شيء فيجد به إلى أسفل ، وزعم الفراء أنّ النوء السّقوط والميلان ، وأنّ أبا ثروان أنشده في صفة راع نزع في قوس :
حتّى إذا ما التأمت مفاصله |
|
وناء في شقّ الشّمال كاهله |
قال : يريد أنه لما نزع مال إليها ، وقوله : التأمت مفاصله فإنّه يعني أنّه لزم بعضه بعضا