أي الرّجوع. وروى ابن الأعرابي أنه قلّ ما تهبّ الشّمال إلا وإذا جاء اللّيل ضعفت أو سقطت ولذلك قالوا في أحاديثهم : إنّ الجنوب قالت للشّمال إنّ لي عليك فضلا أنا أسري وأنت لا تسرين ، فقالت الشّمال : إنّ الحرة لا تسري باللّيل وهذا كما ترى.
وقال أبو زيد : إنّ أكثر هبوب الشّمال باللّيل ، وأنه قلّما ينتفج من الرّياح باللّيل إلا الشّمال ، وربما انتفجت على النّاس بعد نومهم ، فتكاد تهلكهم بالقرّ من آخر ليلهم وقد كان أوّل ليلهم دفيئا ، وهذا الخلاف فيما أتين لاختلاف البقاع ، وتفاوت الأزمان والله أعلم. وأنشد الأصمعي يصف النّساء :
تصيّفن حتّى أوجف البارح السّفا |
|
ونشّت جراميد اللّوا والمصانع |
فالمصانع وإيجاف البارح السّفا : مرّ به على وجه الأرض ، وهو من الوجيف وهو السّرعة ، والسّفا ما تساقط من يبيس البقل ، وقال أيضا :
ألفن اللّوى حتّى إذا البروق ارتمى |
|
به بارح راح من الصّيف شامس |
والبروق من دفيء النّبت ، وفي المثل : أشكر من البروق ، لأنّه ينبت بالغيم والرّاح الشّديد من الرّيح ، ويشبه هذا قوله :
أقمن على بوارح كلّ نجم |
|
وطيّرت العواصف بالتّمام |
والبارح مذكّر ، وإن كانت الرّيح مؤنّثة.
قال أبو حنيفة : قد حكى بعضهم أنّ العرب كانت تقول لا بدّ لنوء كل كوكب من أن يكون فيه مطر أو ريح أو غيم أو حر ـ أو برد ـ ثم كانوا ينسبون ما كان فيه إليه ، والأعمّ الأشهر أنّ الأمطار مقصور ذكرها على الأنواء خاصة. فما يكاد يسمع بشيء منها منسوبا إلى طلوع ولا يحفظ ، وأما البوارح فأكثر الأمر فيها أن ينسب إلى طلوع نجوم الحرّ خاصة لأنها رياح الصّيف ، وربّما نسب شيء منها إلى النّوء وذلك قليل.
وقال ذو الرمة :
حدا بارح الجوزاء أعراف موره |
|
بها وعجاج العقرب المتناوح |
الأعراف : الأوائل ، المور : الغبار وأراد بعجاج العقرب : عجاج بارح العقرب كقوله : شفّها هبوب الثّريا والتزام التنائف ، أراد هبوب بارح الثّريا فهذا ذكر البوارح.