الآن : فقد قال أبو العباس : يشار به إلى حاضر الوقت ، وتلخيص هذا أنّه الزّمان الذي يقع فيه كلام المتكلم فهو آخر ما مضى وأول ما يأتي من الأزمنة ، وهذا مراد قولهم : الآن حد الزّمانين ، والذي أوجب بناءه أنها وقعت في أوّل أحوالها بالألف واللام. وحكم الأسماء أن تكون منكورة شائعة في الجنس. ثم يدخل عليها ما يعرّفها من إضافة ، وألف ولام فخالفت الآن سائر أخواتها من الأسماء ، بأن وقعت معرفة في أوّل أحوالها ، ولزمت موضعا واحدا كما تلزم الحروف مواضعها التي وقعت فيها في أوّليتها غير زائلة عنها ، ولا نازحة منها واختيرت الفتحة لآخرها لخفّتها ولمشاركتها للألف التي قبله. وقال الفرّاء فيه قولان :
الأوّل : أنّ أصله أنّ الشيء يئين إذا أتى وقته ، كقولك : آن لك أن تفعل كذا وإني لك ، ثم أدخلوا الألف واللّام عليه ، وإن كان فعلا كما يروى أنّه نهى النّبي صلىاللهعليهوسلم عن قيل وقال فعلان ماضيان وأدخل عن الجارة عليهما وتركا على ما كانا.
الثّاني : إنّ الأصل فيهما أوان ، ثم حذف الواو فبقي آن ، كما قالوا : رواح وراح ، والكلام عليه قد مضى في غير هذا الموضع من كتبنا.
وقولهم أيّان فإنّه يقوم مقام متى ، فهو يتضمّن معنى الألف وكان حكمه أن يكون ساكن الآخر ، لكنّه حرّك لالتقاء السّاكنين ، واختيرت الفتحة لخفّتها ولأنّ قبلها ياء مشدّدة ، وهما بين الياء والنّون ، ليس بحاجز حصين وهو الألف.
وحكى الكسائي أنّ أبا عبد الرّحمن السّلمي قرأ : (أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) [سورة النّحل ، الآية : ٢١] بكسر الألف.
وإبّان وأفان فهما معربان متمكّنان وتضيفها فتقول : جئت على إبّان فلان وإفاته أي في وقته ، وتفردهما بنزع الجار منهما ، فتقول : جئت إبّان ذلك وإفاته ، وانتصابهما على الظّرف.
وأما قولهم أوان فمعناه الوقت ويجمع على آونة قال ابن أحمر شعرا :
يؤرّقنا أبو حنش وطلق |
|
وعمّار وآونة أنالا |
وقد جاء مبينا منونا في قول الشاعر :
طلبوا صلحنا ولات أوان |
|
فأجبنا أن ليس حين بقاء |
وإن كان متمكنا في جميع الكلام تقول : هذا أوان طيّب ، وأدركت أوان فلان ، قال أبو العباس : إنّما بني من قبل أنّ الأوان من أسماء الزّمان ، وأسماء الزّمان قد تكون مضافات إلى الجمل ، كقولك : هذا يوم يقوم زيد ، وأتيتك زمن عمرو أمير. فإذا حذفت الجملة من