المنافقون : (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) (١) يعني إدخال عز وإخراج نصر إلى مكة ، والأحسن في هذه الأقوال أن تكون على سبيل التمثيل لا التعيين ، ويكون اللفظ كما ذكرناه يتناول جميع الموارد والمصادر.
وقرأ الجمهور : (مُدْخَلَ) و (مُخْرَجَ) بضم ميمهما وهو جار قياسا على أفعل مصدر ، نحو أكرمته مكرما أي إكراما. وقرأ قتادة وأبو حيوة وحميد وإبراهيم بن أبي عبلة بفتحهما. وقال صاحب اللوامح : وهما مصدران من دخل وخرج لكنه جاء من معنى (أَدْخِلْنِي وَأَخْرِجْنِي) المتقدمين دون لفظهما ومثلهما (أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) (٢) ويجوز أن يكونا اسم المكان وانتصابهما على الظرف ، وقال غيره : منصوبان مصدرين على تقدير فعل أي (أَدْخِلْنِي) فأدخل (مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي) فأخرج (مُخْرَجَ صِدْقٍ).
والسلطان هنا قال الحسن : التسليط على الكافرين بالسيف ، وعلى المنافقين بإقامة الحدود. وقال قتادة : ملكا عزيزا تنصرني به على كل من ناواني. وقال مجاهد : حجة بينة. وقيل : كتابا يحوي الحدود والأحكام. وقيل : فتح مكة. وقيل : في كل عصر (سُلْطاناً) ينصر دينك و (نَصِيراً) مبالغة في ناصر. وقيل : فعيل بمعنى مفعول ، أي منصورا ، وهذه الأقوال كلها محتملة لقوله (سُلْطاناً نَصِيراً) وروي أنه تعالى وعده ذلك وأنجزه له في حياته وتممه بعد وفاته. قال قتادة : و (الْحَقُ) القرآن و (الْباطِلُ) الشيطان. وقال ابن جريج : الجهاد و (الْباطِلُ) الشرك. وقيل : الإيمان والكفر. وقال مقاتل : جاءت عبادة الله وذهبت عبادة الشيطان ، وهذه الآية نزلت بمكة ثم إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يستشهد بها يوم فتح مكة وقت طعنه الأصنام وسقوطها لطعنه إياها بمخصرة حسبما ذكر في السير. و (زَهُوقاً) صفة مبالغة في اضمحلاله وعلم ثبوته في وقت ما.
و (مِنَ) في (مِنَ الْقُرْآنِ) لابتداء الغاية. وقيل للتبعيض قاله الحوفي : وأنكر ذلك لاستلزامه أن بعضه لا شفاء فيه ورد هذا الإنكار لأن إنزاله إنما هو مبعض. وقيل : لبيان الجنس قاله الزمخشري وابن عطية وأبو البقاء ، وقد ذكرنا أن من التي لبيان الجنس لا تتقدم على المبهم الذي تبينه وإنما تكون متأخره عنه. وقرأ الجمهور : و (نُنَزِّلُ) بالنون ومجاهد بالياء خفيفة ورواها المروزي عن حفص. وقرأ زيد بن عليّ : شفاء ورحمة بنصبهما
__________________
(١) سورة المنافقون : ٦٣ / ٨.
(٢) سورة نوح : ٧١ / ١٧.