وروي أن جماعة من قريش قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : جئنا بآية غريبة غير هذا القرآن فإنّا نحن نقدر على المجيء بمثل هذا ، فنزلت و (لا يَأْتُونَ) جواب القسم المحذوف قبل اللام الموطئة في (لَئِنِ) وهي الداخلة على الشرط كقوله (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ) (١) فالجواب في نحو هذا للقسم المحذوف لا للشرط ، ولذلك جاء مرفوعا. فأما قول الأعشى :
لئن منيت بنا عن غب معركة |
|
لأتلفنا عن دماء القوم ننتفل |
فاللام في (لَئِنِ) زائدة وليست موطئة لقسم قبلها. فلذلك جزم في قوله لأتلفنا وقد احتج بهذا ونحوه الفراء في زعمه أنه إذا اجتمع القسم والشرط وتقدم القسم ولم يسبقهما ذو خبر أنه يجوز أن يكون الجواب للقسم وهو الأكثر وللشرط ، ومذهب البصريين يحتم الجواب للقسم خاصة. وذكر ابن عطية هنا فصلا حسنا في ذكر الإعجاز نقلناه بقصته. قال : وفهمت العرب بخلوص فهمها في ميز الكلام ودريتها به ما لا نفهمه نحن ولا كل من خالطته حضارة ، ففهموا العجز عنه ضرورة وشاهده وعلمه الناس بعدهم استدلالا ونظرا ولكل حصل علم قطعي لكن ليس في مرتبة واحدة ، وهذا كما علمت الصحابة شرع النبيّ صلىاللهعليهوسلم وأعماله ومشاهده علم ضرورة ، وعلمنا نحن المتواتر من ذلك بنقل التواتر فحصل للجميع القطع لكن في مرتبتين ، وفهم إعجاز القرآن أرباب الفصاحة الذين لهم غرائب في ميز الكلام ، ألا ترى إلى فهم الفرزدق شعر جرير وذي الرمّة في قول الفرزدق :
علام تلفتين وأنت تحتي
وفي قول جرير :
تلفت إنها تحت ابن قين
وألا ترى قول الأعرابي : عز فحكم فقطع ، وألا ترى إلى الاستدلال الآخر على البعث بقوله (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) (٢) فقال : إن الزيارة تقتضي الانصراف ، ومنه علم بشار بقول أبي عمرو بن العلاء في شعر الأعشى :
وأنكرتني وما كان الذي نكرت
__________________
(١) سورة الحشر : ٥٩ / ١٢.
(٢) سورة التكاثر : ١٠٢ / ٢.