يأتي به غير مستقيم وهذا خطاب بنقيض. وقال الفراء والطبري : مفعول بمعنى فاعل أي ساحرا ، فهذه العجائب التي يأتي بها من أمر السحر ، وقالوا : مفعول بمعنى فاعل مشؤوم وميمون وإنما هو شائم ويأمن. وقرأ الجمهور : (لَقَدْ عَلِمْتَ) بفتح التاء على خطاب موسى لفرعون وتبكيته في قوله عنه أنه مسحور رأى لقد علمت أن ما جئت به ليس من باب السحر ، ولا أني خدعت في عقلي ، بل علمت أنه ما أنزلها إلّا الله ، وما أحسن ما جاء به من إسناد إنزالها إلى لفظ (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إذ هو لما سأله فرعون في أول محاورته فقال له : وما رب العالمين قال : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ينبهه على نقصه وأنه لا تصرّف له في الوجود فدعواه الربوبية دعوى استحالة ، فبكتّه وأعلمه أنه يعلم آيات الله ومن أنزلها ولكنه مكابر معاند كقوله (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) (١) وخاطبه بذلك على سبيل التوبيخ أي أنت بحال من يعلم هذا وهي من الوضوح بحيث تعلمها وليس خطابه على جهة إخباره عن علمه. وقرأ عليّ بن أبي طالب وزيد بن عليّ والكسائي علمت بضم التاء أخبر موسى عن نفسه أنه ليس بمسحور كما وصفه فرعون ، بل هو يعلم أن (ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ) الآيات إلّا الله.
وروي عن عليّ أنه قال : ما علم عدوّ الله قط وإنما علم موسى ، وهذا القول عن عليّ لا يصح لأنه رواه كلثوم المرادي وهو مجهول ، وكيف يصح هذا القول وقراءة الجماعة بالفتح على خطاب فرعون.
و (ما أَنْزَلَ) جملة في موضع نصب علق عنها (عَلِمْتَ). ومعنى (بَصائِرَ) دلالات على وحدانية الله وصدق رسوله والإشارة بهؤلاء إلى الآيات التسع. وانتصب (بَصائِرَ) على الحال في قول ابن عطية والحوفي وأبي البقاء ، وقالا : حال من (هؤُلاءِ) وهذا لا يصح إلّا على مذهب الكسائي والأخفش لأنهما يجيزان ما ضرب هندا هذا إلّا زيد ضاحكة. ومذهب الجمهور أنه لا يجوز فإن ورد ما ظاهره ذلك أول على إضمار فعل يدل عليه ما قبله التقدير ضربها ضاحكة ، وكذلك يقدرون هنا أنزلها (بَصائِرَ) وعند هؤلاء لا يعمل ما قبل إلّا فيما بعدها إلّا أن يكون مستثنى منه أو تابعا له.
وقابل موسى ظنه بظن فرعون فقال : (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) وشتان ما بين الظنين ظن فرعون ظن باطل ، وظن موسى ظن صدق ، ولذلك ال أمر فرعون إلى الهلاك
__________________
(١) سورة النمل : ٢٧ / ١٤.