وقرأ أبيّ وعبد الله (فَرَقْناهُ) عليك بزيادة عليك و (لِتَقْرَأَهُ) متعلق بفرقناه ، والظاهر تعلق على مكث بقوله (لِتَقْرَأَهُ) ولا يبالي بكون الفعل يتعلق به حرفا جر من جنس واحد لأنه اختلف معنى الحرفين الأول في موضع المفعول به ، والثاني في موضع الحال أي متمهلا مترسلا.
قال ابن عباس ومجاهد وابن جريج : (عَلى مُكْثٍ) على ترسل في التلاوة. وقيل : (عَلى مُكْثٍ) أي تطاول في المدة شيئا بعد شيء. وقال الحوفي : (عَلى مُكْثٍ) بدل من (عَلَى النَّاسِ) وهذا لا يصح لأن قوله (عَلى مُكْثٍ) هو من صفة الرسول صلىاللهعليهوسلم وهو القارئ ، أو صفات المقروء في المعنى وليس من صفات الناس فيكون بدلا منهم. وقيل يتعلق (عَلى مُكْثٍ) بقوله (فَرَقْناهُ) ويقال مكث بضم الميم وفتحها وكسرها. وقال ابن عطية : وأجمع القراء على ضم الميم من (مُكْثٍ). وقال الحوفي : والمكث بالضم والفتح لغتان ، وقد قرىء بهما وفيه لغة أخرى كسر الميم.
(وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) على حسب الحوادث من الأقوال والأفعال. (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا) يتضمن الإعراض عنهم والاحتقار لهم والازدراء بهم وعدم الاكتراث بهم وبإيمانهم وبامتناعهم منه ، وأنهم لم يدخلوا في الإيمان ولم يصدقوا بالقرآن وهم أهل جاهلية وشرك ، فإن خيرا منهم وأفضل هم العلماء الذي قرؤوا الكتاب وعلموا ما الوحي وما الشرائع ، قد آمنوا به وصدقوه وثبت عندهم أنه النبيّ العربي الموعود في كتبهم ، فإذا تلي عليهم خروا (سُجَّداً) وسبحوا الله تعظيما لوعده ولإنجازه ما وعد في الكتب المنزلة وبشر به من بعثة محمد صلىاللهعليهوسلم وإنزال القرآن عليه ، وهو المراد بالوعد في قوله (إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً).
و (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ) يجوز أن يكون تعليلا لقوله (آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا) أي إن لم تؤمنوا به فقد آمن به من هو خير منكم ، وأن يكون تعليلا لقل على سبيل التسلية كأنه قيل (قُلْ) عن إيمان الجاهلية بإيمان العلماء انتهى من كلام الزمخشري ، وفيه بعض تلخيص. وقال غيره : (قُلْ آمِنُوا) الآية تحقير للكفار ، وفي ضمنه ضرب من التوعد والمعنى أنكم لستم بحجة فسواء علينا أأمنتم أم كفرتم وإنما ضرر ذلك على أنفسكم ، وإنما الحجة أهل العلم انتهى. والظاهر أن الضمير في (قُلْ آمِنُوا بِهِ) عائد على القرآن ، و (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) هم مؤمنو أهل الكتاب. وقيل : ورقة بن نوفل ، وزيد بن عمرو بن نفيل ومن جرى مجراهما ، فإنهما كانا ممن أوتي العلم واطّلعا على