محفوظا بالرصد من الملائكة ، وما نزل على الرسول إلّا محفوظا بهم من تخليط الشياطين انتهى. وقد يكون (وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) توكيدا من حيث المعنى لما كان يقال أنزلته فنزل ، وأنزلته فلم ينزل إذا عرض له مانع من نزوله جاء ، (وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) مزيلا لهذا الاحتمال ومؤكدا حقيقة ، (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ) وإلى معنى التأكيد نحا الطبري. وانتصب (مُبَشِّراً وَنَذِيراً) على الحال أي (مُبَشِّراً) لهم بالجنة ومنذرا من النار ليس لك شيء من إكراههم على الدين.
وقرأ الجمهور : (فَرَقْناهُ) بتخفيف الراء أي بيّنا حلاله وحرامه قاله ابن عباس ، وعن الحسن فرقنا فيه بين الحق والباطل. وقال الفراء : أحكمناه وفصلناه كقوله (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (١). وقرأ أبيّ وعبد الله وعليّ وابن عباس وأبو رجاء وقتادة والشعبي وحميد وعمرو بن قائد وزيد بن عليّ وعمرو بن ذر وعكرمة والحسن بخلاف عنه بشد الراء أي (أَنْزَلْناهُ) نجما بعد نجم. وفصلناه في النجوم. وقال بعض من اختار ذلك : لم ينزل في يوم ولا يومين ولا شهر ولا شهرين ولا سنة ولا سنتين. قال ابن عباس : كان بين أوله وآخره عشرون سنة ، هكذا قال الزمخشري عن ابن عباس. وحكي عن ابن عباس في ثلاث وعشرين سنة. وقيل : في خمس وعشرين ، وهذا الاختلاف مبني على الاختلاف في سنه عليهالسلام ، وعن الحسن نزل في ثمانية عشر سنة. قال ابن عطية : وهذا قول مختل لا يصح عن الحسن.
وقيل معنى : (فَرَقْناهُ) بالتشديد فرقنا آياته بين أمر ونهي ، وحكم وأحكام ، ومواعظ وأمثال ، وقصص وأخبار مغيبات أتت وتأتي. وانتصب (قُرْآناً) على إضمار فعل يفسره (فَرَقْناهُ) أي وفرقنا (قُرْآناً فَرَقْناهُ) فهو من باب الاشتغال وحسن النصب ، ورجحه على الرفع كونه عطفا على جملة فعلية وهي قوله (وَما أَرْسَلْناكَ). ولا بد من تقدير صفة لقوله (وَقُرْآناً) حتى يصح كونه كان يجوز فيه الابتداء لأنه نكرة لا مسوغ لها في الظاهر للابتداء بها ، والتقدير (وَقُرْآناً) أي قرآن أي عظيما جليلا ، وعلى أنه منصوب بإضمار فعل يفسره الظاهر بعده خرّجه الحوفي والزمخشري. وقال ابن عطية وهو مذهب سيبويه. وقال الفراء : هو منصوب بأرسلناك أي (ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً وَقُرْآناً) كما تقول رحمة لأن القرآن رحمة وهذا إعراب متكلف وأكثر تكلفا منه قول ابن عطية ، ويصح أن يكون معطوفا على الكاف في (أَرْسَلْناكَ) من حيث كان إرسال هذا وإنزال هذا المعنى واحد.
__________________
(١) سورة الدخان : ٤٤ / ٤.