الجملتين صفة ، وإلى أن العدة ثمانية بالكلب ذهب الأكثرون من الصحابة والتابعين وأئمة التفسير.
وقال الزمخشري : فإن قلت : فما هذه الواو الداخلة على الجملة الثالثة ولم دخلت عليها دون الأولتين؟ قلت : هي الواو التي تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة كما تدخل على الواقعة حالا عن المعرفة في نحو قولك : جاءني رجل ومعه آخر ، ومررت بزيد وفي يده سيف. ومنه قوله عز وعلا (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) (١) وفائدتها توكيد لصوق الصفة بالموصوف ، والدلالة على اتصافه أمر ثابت مستقر ، وهي الواو التي آذنت بأن الذين قالوا (سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) قالوه عن ثبات علم وطمأنينة نفس ولم يرجموا بالظن كما غيرهم انتهى.
وكون الواو تدخل على الجملة الواقعة صفة دالة على لصوق الصفة بالموصوف وعلى ثبوت اتصاله بها شيء لا يعرفه النحويون ، بل قرروا أنه لا تعطف الصفة التي ليست بجملة على صفة أخرى إلّا إذا اختلفت المعاني حتى يكون العطف دالا على المغايرة ، وأما إذا لم يختلف فلا يجوز العطف هذا في الأسماء المفردة ، وأما الجمل التي تقع صفة فهي أبعد من أن يجوز ذلك فيها ، وقد ردوا على من ذهب إلى أن قول سيبويه ، وأما ما جاء لمعنى وليس باسم ولا فعل هو على أن وليس باسم ولا فعل صفة لقوله لمعنى ، وأن الواو دخلت في الجملة بأن ذلك ليس من كلام العرب مررت برجل ويأكل على تقدير الصفة. وأما قوله تعالى (إِلَّا وَلَها) فالجملة حالية ويكفي ردا لقول الزمخشري : إنّا لا نعلم أحدا من علماء النحو ذهب إلى ذلك ، ولما أخبر تعالى عن مقالتهم واضطرابهم في عددهم أمره تعالى أن يقول (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) أي لا يخبر بعددهم إلا من يعلمهم حقيقة وهو الله تعالى (ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) والمثبت في حق الله تعالى هو الأعلمية وفي حق القليل العالمية فلا تعارض. قيل : من الملائكة. وقيل : من العلماء وعلم القليل لا يكون إلّا بإعلام الله.
وقال ابن عباس : أنا من القليل ، ثم نهاه تعالى عن الجدال فيهم أي في عدتهم ، والمراء وسمي مراجعته لهم (مِراءً) على سبيل المقابلة لمماراة أهل الكتاب له في ذلك ، وقيده بقوله ظاهرا أي غير متعمق فيه وهو إن نقص عليهم ما أوحي إليك فحسب من غير تجهيل ولا تعنيف كما قال (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٢). وقال ابن زيد : (مِراءً
__________________
(١) سورة الحجر : ١٥ / ٤.
(٢) سورة النحل : ١٦ / ١٢٥.