خارج عن حد ما عليه إدراك السامعين والمبصرين ، لأنه يدرك ألطف الأشياء وأصغرها كما يدرك أكبرها حجما وأكثفها جرما ، ويدرك البواطن كما يدرك الظواهر والضمير في (بِهِ) عائد على الله تعالى ، وهل هو في موضع رفع أو نصب وهل (أَسْمِعْ) و (أَبْصِرْ) أمران حقيقة أم أمران لفظا معناهما إنشاء التعجب في ذلك خلاف مقرر في النحو. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون المعنى (أَبْصِرْ) بدين الله (وَأَسْمِعْ) أي بصر بهدى الله وسمع فترجع الهاء إما على الهدى وإما على الله ذكره ابن الأنباري. وقرأ عيسى : أسمع به وأبصر على الخبر فعلا ماضيا لا على التعجب ، أي (أَبْصِرْ) عباده بمعرفته وأسمعهم ، والهاء كناية عن الله تعالى.
والضمير في قوله (ما لَهُمْ) قال الزمخشري : لأهل السموات والأرض من (وَلِيٍ) متول لأمورهم (وَلا يُشْرِكُ) في قضائه (أَحَداً) منهم. وقيل : يحتمل أن يعود على أصحاب الكهف أي هذه قدرته وحده. ولم يوالهم غيره يتلطف بهم ولا أشرك معه أحدا في هذا الحكم. ويحتمل أن يعود على معاصري الرسول صلىاللهعليهوسلم من الكفار ومشاقيه ، وتكون الآية اعتراضا بتهديد قاله ابن عطية. وقيل : يحتمل أن يعود على مؤمني أهل السموات والأرض أي لن يتخذ من دونه وليا. وقيل : يعود على المختلفين في مدة لبثهم أي ليس لهم من دون الله من يتولى تدبيرهم ، فكيف يكونون أعلم منه؟ أو كيف يعلمون من غير إعلامه إياهم؟ وقرأ الجمهور : (وَلا يُشْرِكُ) بالياء على النفي. وقرأ مجاهد بالياء والجزم. قال يعقوب : لا أعرف وجهه. وقرأ ابن عامر والحسن وأبو رجاء وقتادة والجحدري وأبو حيوة وزيد وحميد ابن الوزير عن يعقوب والجعفي واللؤلؤي عن أبي بكر : ولا تشرك بالتاء والجزم على النهي.
ولما أنزل عليه ما أنزل من قصة أهل الكهف أمره بأن يقص ويتلو على معاصريه ما أوحى إليه تعالى من كتابه في قصة أهل الكهف وفي غيرهم ، وأن ما أوحاه إليه (لا مُبَدِّلَ) له و (لا مُبَدِّلَ) عام و (لِكَلِماتِهِ) عام أيضا فالتخصيص إما في (لا مُبَدِّلَ) أي لا مبدل له سواه ، ألا ترى إلى قوله (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ) (١) وإما في كلماته أي (لِكَلِماتِهِ) المتضمنة الخبر لأن ما تضمن غير الخبر وقع النسخ في بعضه ، وفي أمره تعالى أن يتلو ما أوحي إليه وإخباره أنه لا مبدّل (لِكَلِماتِهِ) إشارة إلى تبديل المتنازعين في أهل الكهف ، وتحريف أخبارهم والملتحد الملتجأ الذي تميل إليه وتعدل.
__________________
(١) سورة النمل : ١٦ / ١٠١.