السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً).
ذكروا في ارتباط هذه الآية بما قبلها أنه تعالى لما أمر نبيه عليه الصلاة والسلام بمجالسة الفقراء وكان أولئك المتكبرون قد تأنفوا عن مجالستهم ، وذكروا للرسول صلىاللهعليهوسلم طردهم عنه وذلك لما جبلوا عليه من التكبر والتكثر بالأموال والأولاد وشرف الأصل والنسب ، وكان أولئك الفقراء بخلافهم في ذلك ناسب ذكر قصة إبليس بجامع ما اشتركا فيه من التكبر والافتخار بالأصل الذي خلق منه وهذا الذي ذكروه في الارتباط هو ظاهر بالنسبة للآيات السابقة قبل ضرب المثلين ، وإما أنه واضح بالنسبة لما بعد المثلين فلا والذي يظهر في ارتباط هذه الآية بالآية التي قبلها هو أنه لما ذكر يوم القيامة والحشر وذكر خوف المشركين مما سطر في ذلك الكتاب ، وكان إبليس هو الذي حمل المجرمين على معاصيهم واتخاذ شركاء مع الله ناسب ذكر إبليس والنهي عن اتخاذ ذريته أولياء من دون الله تبعيدا عن المعاصي ، وعن امتثال ما يوسوس به. وتقدم الكلام في استثناء إبليس أهو استثناء متصل أم منقطع ، وهل هو من الملائكة أم ليس منهم في أوائل سورة البقرة فأغني عن إعادته ، والظاهر من هذه الآية أنه ليس من الملائكة وإنما هو من الجن. قال قتادة : الجن حي من الملائكة خلقوا من نار السموم. وقال شهر بن حوشب : هو من الجن الذين ظفرت بهم الملائكة فأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء. وقال الحسن وغيره : هو أول الجن وبدايتهم كآدم في الإنس. وقالت فرقة : كان إبليس وقبيله جنا لكن الشياطين اليوم من ذريته فهو كنوح في الإنس. وقال الزمخشري : كان من الجن كلام مستأنف جار مجرى التعليل بعد استثناء إبليس من الساجدين كأن قائلا قال : ما له لم يسجد فقيل (كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) والفاء للتسبيب أيضا جعل كونه من الجن سببا في فسقه ، يعني إنه لو كان ملكا كسائر من سجد لآدم لم يفسق عن أمر الله لأن الملائكة معصومون البتة لا يجوز عليهم ما يجوز على الجن والإنس كما قال : (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (١) وهذا الكلام المعترض تعمد من الله عز وعلا لصيانة الملائكة عن وقوع شبهة في عصمتهم ، فما أبعد البون بين ما تعمده الله وبين قول من ضادّه فزعم أنه كان ملكا ورئيسا على الملائكة فعصى فلعن ومسخ شيطانا ، ثم وركه على ابن عباس انتهى.
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٢٧.