(فَخَشِينا) حكاية لقول الله عزوجل بمعنى فكرهنا كقوله (لِأَهَبَ لَكِ) (١) قاله الزمخشري. وفي قوله كاخترامه لمفسدة عرفها في حياته مذهب المعتزلة في قولهم بالأجلين ، والظاهر إسناد فعل الخشية في خشينا إلى ضمير الخضر وأصحابه الصالحين الذين أهمهم الأمر وتكلموا. وقيل : هو في جهة الله وعنه عبر الخضر وهو الذي قال فيه الزمخشري ، ويجوز أن يكون إلى آخر كلامه. قال الطبري : ومعناه وقال : معناه فكر هنا. قال ابن عطية : والأظهر عندي في توجيه هذا التأويل وإن كان اللفظ يدافعه أنها استعارة أي على ظن المخلوقين ، والمخاطب لو علموا حاله لوقعت منهم خشية الرهق للوالدين.
وقرأ ابن مسعود فخاف ربك ، وهذا بين الاستعارة في القرآن في جهة الله تعالى من لعل وعسى فإن جميع ما في هذا كله من ترج وتوقع وخوف وخشية إنما هو بحسبكم أيها المخاطبون. و (يُرْهِقَهُما) معناه يجشمهما ويكلفهما بشدة ، والمعنى أن يلقيهما حبه في اتّباعه. وقرأ نافع وأبو عمرو وأبو جعفر وشيبة وحميد والأعمش وابن جرير (أَنْ يُبْدِلَهُما) بالتشديد هنا وفي التحريم والقلم. وقرأ باقي السبعة والحسن وابن محيصن بالتخفيف ، والزكاة هنا الطهارة والنقاء من الذنوب وما ينطوي عليه من شرف الخلق والسكينة ، والرحم والرحمة العطف مصدران كالكثر والكثرة ، وافعل هنا ليست للتفضيل لأن ذلك الغلام لا زكاة فيه ولا رحمة. والظاهر أن قوله (وَأَقْرَبَ رُحْماً) أي رحمة والديه وقال ابن جريج : يرحمانه. وقال رؤبة بن العجاج :
يا منزل الرحم على إدريسا |
|
ومنزل اللعن على إبليسا |
وقرأ ابن عامر وأبو جعفر في رواية ويعقوب وأبو حاتم (رُحْماً) بضم الحاء. وقرأ ابن عباس (رُحْماً) بفتح الراء وكسر الحاء. وقيل الرحم من الرحم والقرابة أي أو صل للرحم. قيل : ولدت غلاما مسلما. وقيل : جارية تزوجها نبي فولدت نبيا هدى الله على يديه أمة من الأمم. وقيل : ولدت سبعين نبيا. روي ذلك عن ابن عباس. قال ابن عطية : وهذا بعيد ولا تعرف كثرة الأنبياء إلّا في بني إسرائيل ، ولم تكن هذه المرأة منهم انتهى. ووصف الغلامين باليتم يدل على أنهما كانا صغيرين. وفي الحديث : «لا يتم بعد بلوغ» أي كانا (يَتِيمَيْنِ) على معنى الشفقة عليهما. قيل : واسمهما أصرم وصريم ، واسم أبيهما كاشح واسم أمهما دهنا ، والظاهر في الكنز أنه مال مدفون جسيم ذهب وفضة قاله عكرمة وقتادة. وقال ابن عباس وابن جبير : كان علما في مصحف مدفونة : وقيل : لوح من ذهب
__________________
(١) سورة مريم : ١٩ / ١٩.