وقوله (إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ) بالقتل على الكفر (وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) أي بالحمل على الإيمان والهدى ، إما أن تكفر فتعذب ، وإما أن تؤمن فتحسن فعبر في التخيير بالمسبب عن السبب. قال الطبري : اتخاذ الحسن هو أسرهم مع كفرهم يعني أنه خير مع كفرهم بين قتلهم وبين أسرهم ، وتفصيل ذي القرنين (أَمَّا مَنْ ظَلَمَ) و (أَمَّا مَنْ آمَنَ) يدفع هذا القول ولما خيره تعالى بين تعذيبهم ودعائهم إلى الإسلام اختار الدعوة والاجتهاد في استمالتهم. فقال : أما من دعوته فأبى إلّا البقاء على الظلم وهو الكفر هنا بلا خلاف فذلك هو المعذب في الدارين ، وأما من آمن وعمل ما يقتضيه الإيمان فله جزاء الحسنى. وأتى بحرف التنفيس في (فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) لما يتخلل بين إظهاره كفره وبين تعذيبه من دعائه إلى الإيمان وتأبيه عنه ، فهو لا يعاجلهم بالقتل على ظلمهم بل يدعوهم ويذكرهم فإن رجعوا وإلّا فالقتل.
وقوله (ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ) أي يوم القيامة وأتى بنون العظمة في (نُعَذِّبُهُ) على عادة الملوك في قولهم نحن فعلنا. وقوله (إِلى رَبِّهِ) فيه إشعار بأن التخيير لذي القرنين ليس من الله تعالى ، إذ لو كان كذلك لكان التركيب ثم يرد إليك فتعذبه ، ولا يبعد أن يكون التخيير من الله ويكون قد أعلم ذو القرنين بذلك أتباعه ثم فصل مخاطبا لأتباعه لا لربه تعالى ، وما أحسن مجيء هذه الجمل لما ذكر ما يستحقه من ظلم بدأ بما هو أقرب لهم ومحسوس عندهم ، وهو قوله (فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) ثم أخبر بما يلحقه آخرا يوم القيامة وهو تعذيب الله إياه العذاب النكر ولأن الترتيب الواقع هو كذا ولما ذكر ما يستحقه (مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) ذكر جزاء الله له في الآخرة وهو (الْحُسْنى) أي الجنة لأن طمع المؤمن في الآخرة ورجاءه هو الذي حمله على أن آمن لأجل جزائه في الآخرة ، وهو عظيم بالنسبة للإحسان في الدنيا ثم أتبع ذلك بإحسانه له في الدنيا بقوله (وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً) أي لا نقول له ما يتكلفه مما هو شاق عليه أي قولا ذا يسر وسهولة كما قال قولا ميسورا. ولما ذكر ما أعد الله له من الحسنى جزاء لم يناسب أن يذكر جزاءه بالفعل بل اقتصر على القول أدبا مع الله تعالى وإن كان يعلم أنه يحسن إليه فعلا وقولا.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص وأبو بحرية والأعمش وطلحة وابن مناذر ويعقوب وأبو عبيد وابن سعدان وابن عيسى الأصبهاني وابن جبير الأنطاكي ومحمد بن جرير (فَلَهُ جَزاءً) بالنصب والتنوين وانتصب (جَزاءً) على أنه مصدر في موضع الحال أي مجازي كقولك في الدار قائما زيد. وقال أبو علي قال أبو الحسن : هذا لا تكاد العرب تكلم به