والجمهور على أن المعنى (أَنْ سَبِّحُوا) صلوا. وقيل أمرهم بذكر الله والتسبيح. قال المفسرون كان يخرج على قومه بكرة وعشيا فيأمرهم بالصلاة إشارة. وقال صاحب التحرير والتحبير وعندي في هذا معنى لطيف وهو أنه إنما خص بالتسبيح بالذكر لأن العادة جارية أن كل من رأى أمرا عجب منه أو رأى فيه بديع صنعة أو غريب حكمة يقول : سبحان الله سبحان الخالق ، فلما رأى حصول الولد من شيخ وعاقر عجب من ذلك فسبح وأمر بالتسبيح انتهى. وقال الزمخشري وابن عطية و (أَنْ) مفسرة. وقال الحوفي (أَنْ سَبِّحُوا أَنْ) نصب بأوحى. وقال أبو البقاء : يجوز أن تكون مصدرية ، وأن تكون بمعنى أي انتهى. وقرأ طلحة أن سبحوه بهاء الضمير عائدة على الله تعالى. وروى ابن غزوان عن طلحة أن سبحن بنون مشددة من غير واو ألحق فعل الأمر نون التوكيد الشديد.
(يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ) في الكلام حذف والتقدير فلما ولد يحيى وكبر وبلغ السنّ الذي يؤمر فيه قال الله له على لسان الملك وأبعد التبريزي في قوله إن المنادى له أبوه حين ترعرع ونشأ ، والصحيح ما سبق لقوله (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) و (الْكِتابَ) هو التوراة. قال ابن عطية بلا خلاف لأنه ولد قبل عيسى ولم يكن الإنجيل موجودا انتهى. وليس كما قال بل قيل له كتاب خص به كما خص كثير من الأنبياء بمثل ذلك. وقيل : (الْكِتابَ) هنا اسم جنس أي اتل كتب الله. وقيل : (الْكِتابَ) صحف إبراهيم. وقال الحسن وعلمه التوراة والإنجيل وأرسله إلى بني إسرائيل ، وكان يصوم ويصلي في حال طفوليته ويدعو إلى الله بقوة بجد واستظهار وعمل بما فيه والحكم النبوة أو حكم الكتاب أو الحكمة أو العلم بالأحكام أو اللب وهو العقل ، أو آداب الخدمة أو الفراسة الصادقة أقوال (صَبِيًّا) أي شابا لم يبلغ سن الكهولة. وقيل : ابن سنتين. وقيل : ابن ثلاث. وعن ابن عباس في حديث مرفوع : «ابن سبع سنين» (وَحَناناً) معطوف على الحكم والحنان الرحمة قاله ابن عباس في رواية والحسن وعكرمة وقتادة والضحاك وأبو عبيدة والفراء وأنشد أبو عبيدة :
تحنن على هداك المليك |
|
فإن لكل مقام مقالا |
قال : وأكثر ما تستعمل مثنى كما قال :
حنانيك بعض الشر أهون من بعض
وقال ابن الأنباري : المعنى وجعلناه (حَناناً) لأهل زمانه. وقال مجاهد وتعطفا من ربه عليه. وعن ابن جبير : لينا. وعن عكرمة وابن زيد : محبة ، وعن عطاء تعظيما.