وكذلك في قوله (وَكانَ) أي وكان وجوده (أَمْراً) مفروغا منه ، وكونه رحمة من الله أي طريق هدى لعالم كثير فينالون الرحمة بذلك. وذكروا أن جبريل عليهالسلام نفخ في جيب درعها أو فيه وفي كمها وقال : أي دخل الروح المنفوخ من فمها ، والظاهر أن المسند إليه النفخ هو الله تعالى لقوله (فَنَفَخْنا) (١) ويحتمل ما قالوا : (فَحَمَلَتْهُ) أي في بطنها والمعنى فحملت به. قيل : وكانت بنت أربع عشرة سنة. وقيل : بنت خمس عشرة سنة قاله وهب ومجاهد. وقيل : بنت ثلاث عشرة سنة. وقيل : اثنتي عشرة سنة. وقيل : عشر سنين. قيل : بعد أن حاضت حيضتين. وحكى محمد بن الهيصم أنها لم تكن حاضت بعد. وقيل : لم تحض قط مريم وهي مطهرة من الحيض ، فلما أحست وخافت ملامة الناس أن يظن بها الشر فارتمت به إلى مكان قصي حياء وفرارا. روي أنها فرت إلى بلاد مصر أو نحوها قاله وهب. وقيل : إلى موضع يعرف ببيت لحم بينه وبين إيليا أربعة أميال. وقيل : بعيدا من أهلها وراء الجبل. وقيل : أقصى الدار. وقيل : كانت سميت لابن عم لها اسمه يوسف فلما قيل حملت من الزنا خاف عليها قتل الملك هرب بها ، فلما كان ببعض الطريق حدثته نفسه بأن يقتلها فأتاه جبريل عليهالسلام فقال : إنه من روح القدس فلا تقتلها فتركها حملته في ساعة واحدة فكما حملته نبذته عن ابن. وقيل : كانت مدة الحمل ثلاث ساعات. وقيل : حمل في ساعة وصور في ساعة ووضعته في ساعة. وقيل : ستة أشهر. وعن عطاء وأبي العالية والضحاك : سبعة أشهر. وقيل : ثمانية ولم يعش مولود وضع لثمانية إلّا عيسى وهذه أقوال مضطربة متناقضة كان ينبغي أن يضرب عنها صفحا إلّا أن المفسرين ذكروها في كتبهم وسوّدوا بها الورق ، والباء في (بِهِ) للحال أي مصحوبة به أي اعتزلت وهو في بطنها كما قال الشاعر :
تدوس بنا الجماجم والتريبا
أي تدوس الجماجم ونحن على ظهورها.
ومعنى (فَأَجاءَهَا) أي جاء بها تارة فعدي جاء بالباء وتارة بالهمزة. قال الزمخشري : إلّا أن استعماله قد يغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء الإتراك ، لا تقول : جئت المكان وأجاءنيه زيد كما تقول : بلغته وأبلغنيه ، ونظيره آتى حيث لم يستعمل إلّا في الإعطاء ولم يقل آتيت المكان وآتانيه فلان انتهى. أما قوله وقول غيره إن الاستعمال غيره إلى معنى الإلجاء فيحتاج إلى نقل أئمة اللغة المستقرءين ذلك عن لسان العرب ، والإجاءة تدل على
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٩١ وسورة التحريم : ٦٦ / ١٢.