وقال الزمخشري : (عَدْنٍ) معرفة علم لمعنى العدن وهو الإقامة ، كما جعلوا فينة وسحر وأمس في من لم يصرفه أعلاما لمعاني الفينة والسحر والأمس ، فجرى العدن كذلك. أو هو علم الأرض الجنة لكونه مكان إقامة ، ولو لا ذلك لما ساغ الإبدال لأن النكرة لا تبدل من المعرفة إلّا موصوفة ، ولما ساغ وصفها بالتي انتهى.
وما ذكره متعقب. أما دعواه أن عدنا علم لمعنى العدن فيحتاج إلى توقيف وسماع من العرب ، وكذا دعوى العلمية الشخصية فيه. وأما قوله ولو لا ذلك إلى قوله موصوفة فليس مذهب البصريين لأن مذهبهم جواز إبدال النكرة من المعرفة وإن لم تكن موصوفة ، وإنما ذلك شيء قاله البغداديون وهم محجوجون بالسماع علم ما بيناه في كتبنا في النحو ، فملازمته فاسدة. وأما قوله : ولما ساغ وصفها بالتي فلا يتعين كون التي صفة ، وقد ذكرنا أنه يجوز إعرابه بدلا و (بِالْغَيْبِ) حال أي وعدها وهي غائبة عنهم أو وهم غائبون عنها لا يشاهدونها ، ويحتمل أن تكون الباء للسبب أي بتصديق الغيب والإيمان به. وقال أبو مسلم : المراد الذين يكونون عبادا بالغيب أي الذين يعبدونه في السر ، والظاهر أن (وَعْدُهُ) مصدر. فقيل : (مَأْتِيًّا) بمعنى آتيا. وقيل : هو على موضوعه من أنه اسم المفعول. وقال الزمخشري : (مَأْتِيًّا) مفعول بمعنى فاعل ، والوجه أن الوعد هو الجنة وهم يأتونها ، أو هو من قولك أتى إليه إحسانا أي كان وعده مفعولا منجزا ، والقول الثاني وهو قوله : والوجه مأخوذ من قول ابن جريج قال : (وَعْدُهُ) هنا موعوده وهو الجنة ، و (مَأْتِيًّا) يأتيه أولياؤه انتهى.
(إِلَّا سَلاماً) استثناء منقطع وهو قول الملائكة (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ) (١). وقيل : يسلم الله عليهم عند دخولها. ومعنى (بُكْرَةً وَعَشِيًّا) يأتيهم طعامهم مرتين في مقدار اليوم والليلة من الزمن. وقال مجاهد : لا بكرة ولا عشي ولكن يؤتون به على ما كانوا يشتهون في الدنيا. وقد ذكر نحوه قتادة أن تكون مخاطبة بما تعرف العرب في رفاهة العيش. وقال الحسن : خوطبوا على ما كانت العرب تعلم من أفضل العيش ، وذلك أن كثيرا من العرب إنما كان يجد الطعام المرة في اليوم ، وكان عيش أكثرهم من شجر البرية ومن الحيوان. وقال الزمخشري : اللغو فضول الكلام وما لا طائل تحته ، وفيه تنبيه ظاهر على وجوب تجنب اللغو واتقائه حيث نزه الله عنه الدار التي لا تكليف فيها. وما أحسن قوله
__________________
(١) سورة الرعد : ١٣ / ٢٤.