الزمخشري : الواو عاطفة لا يذكر على يقول ، ووسطت همزة الإنكار بين المعطوف عليه وحرف العطف انتهى. وهذا رجوع منه إلى مذهب الجماعة من أن حرف العطف إذا تقدمته الهمزة فإنما عطف ما بعدها على ما قبلها ، وقدمت الهمزة لأن لها صدر الكلام ، وكان مذهبه أن يقدر بين الهمزة والحرف ما يصلح أن يعطف عليه ما بعد الواو فيقر الهمزة على حالها ، وليست مقدمة من تأخير وقد رددنا عليه هذه المقالة.
(أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) أي أنشأناه واخترعناه من العدم الصرف إلى الوجود ، فكيف ينكر النشأة الثانية وهذه الحجة في غاية الاختصار والإلزام للخصم ، ويسمى هذا النوع الاحتجاج النظري وبعضهم يسميه المذهب الكلامي ، وقد تكرر هذا الاحتجاج في القرآن : (وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) إشارة إلى العدم الصرف وانتفاء الشيئية عنه يدل على أن المعدوم لا يسمى شيئا. وقال أبو علي الفارسي : (وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) موجود أو هي نزعة اعتزالية والمحذوف المضاف إليه (قَبْلُ) في التقدير قدره بعضهم (مِنْ قَبْلُ) بعثه ، وقدره الزمخشري (مِنْ قَبْلُ) الحالة التي هو فيها وهي حالة بقائه انتهى.
ولما أقام تعالى الحجة الدامغة على حقية البعث أقسم على ذلك باسمه مضافا إلى رسوله تشريفا له وتفخيما ، وقد تكرر هذا القسم في القرآن تعظيما لحقه ورفعا منه كما رفع من شأن السماء والأرض بقوله (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌ) (١) والواو في (وَالشَّياطِينَ) للعطف أو بمعنى مع يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغووهم ، يقرن كل كافر مع شيطان في سلسلة وهذا إذا كان الضمير في (لَنَحْشُرَنَّهُمْ) للكفرة وهو قول ابن عطية وما جاء بعد ذلك فهو من الإخبار عنهم وبدأ به الزمخشري ، والظاهر أنه عام للخلق كلهم مؤمنهم وكافرهم ولم يفرق بين المؤمنين والكافرين كما فرق في الجزاء ، وأحضروا جميعا وأوردوا النار ليعاين المؤمنون الأهوال التي نجوا منها فيسروا بذلك ويشمتوا بأعدائهم الكفار ، وإذا كان الضمير عاما فالمعنى يتجاثون عند موافاة شاطىء جهنم كما كانوا في الموقف متجاثين لأنه من توابع التوافق للحساب قبل الوصول إلى الثواب والعقاب. وقال تعالى في حالة الموقف (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا) (٢) و (جِثِيًّا) حال مقدرة. وعن ابن عباس : قعودا ، وعنه جماعات جماعات جمع جثوة وهو المجموع من التراب والحجارة. وقال مجاهد والحسن والزجّاج : على الركب. وقال السدّي قياما على الركب لضيق المكان بهم.
__________________
(١) سورة الذاريات : ٥١ / ٢٣.
(٢) سورة الجاثية : ٤٥ / ٢٨.