(جَعَلْنا) الثاني محذوف تقديره مصيرا أو جزاء انتهى. (مَذْمُوماً) إشارة إلى الإهانة. (مَدْحُوراً) إشارة إلى البعد والطرد من رحمة الله (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ) أي ثواب الآخرة بأن يؤثرها على الدنيا ، ويعقد إرادته بها (وَسَعى) فيما كلف من الأعمال والأقوال (سَعْيَها) أي السعي المعد للنجاة فيها. (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) هو الشرط الأعظم في النجاة فلا تنفع إرادة ولا سعي إلا بحصوله. وفي الحقيقة هو الناشئ عنه إرادة الآخرة والسعي للنجاة فيها وحصول الثواب ، وعن بعض المتقدّمين من لم يكن معه ثلاث لم ينفعه عمله : إيمان ثابت ، ونية صادقة ، وعمل مصيب ، وتلا هذه الآية (فَأُولئِكَ) إشارة إلى من اتصف بهذه الأوصاف وراعي معنى من فلذلك كان بلفظ الجمع ، والله تعالى يشكرهم على طاعتهم وهو تعالى المشكور على ما أعطى من العقل وإنزال الكتب وإيضاح الدلائل ، وهو المستحق للشكر حقيقة ومعنى شكره تعالى المطيع الإثناء عليه وثوابه على طاعته. وانتصب (كُلًّا) بنمد والإمداد المواصلة بالشيء ، والمعنى كل واحد من الفريقين (نُمِدُّ) كذا قدره الزمخشري : وأعربوا (هؤُلاءِ) بدلا من (كُلًّا) ولا يصح أن يكون بدلا من كل على تقدير كل واحد لأنه يكون إذ ذاك بدل كل من بعض ، فينبغي أن يكون التقدير كل الفريقين فيكون بدل كل من كل على جهة التفصيل. والظاهر أن هذا الإمداد هو في الرزق في الدنيا وهو تأويل الحسن وقتادة ، أي إن الله يرزق في الدنيا مريدي العاجلة الكافرين ، ومريدي الآخرة المؤمنين ويمد الجميع بالرزق ، وإنما يقع التفاوت في الآخرة ويدل على هذا التأويل (وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) أي إن رزقه لا يضيق عن مؤمن ولا كافر.
وعن ابن عباس أن معنى (مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ) من الطاعات لمريد الآخرة والمعاصي لمريد العاجلة ، فيكون العطاء عبارة عما قسم الله للعبد من خير أو شر ، وينبو لفظ العطاء على الإمداد بالمعاصي. والظاهر أن (انْظُرْ) بصرية لأن التفاوت في الدنيا مشاهد و (كَيْفَ) في موضع نصب بعد حذف حرف الجر ، لأن نظر يتعدى به ، فانظر هنا معلقة. ولما كان النظر مفضيا وسببا إلى العلم جاز أن يعلق ، ويجوز أن يكون (انْظُرْ) من نظر الفكر فلا كلام في تعليقه إذ هو فعل قلبي. والتفضيل هنا عبارة عن الطاعات المؤدّية إلى الجنة ، والمفضل عليهم الكفار كأنه قيل : انظر في تفضيل فريق على فريق ، وعلى التأويل الأول كأنه قيل في تفضيل شخص على شخص من المؤمنين والكافرين ، والمفضول في قوله : (أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) محذوف تقديره من درجات الدنيا ومن تفضيل الدنيا.
وروي أن قوما من الأشراف ومن دونهم اجتمعوا بباب عمر رضياللهعنه ، فخرج