أي لا ننتسب إليه انتهى. وكون (دَعَوْا) هنا بمعنى سموا هو قول الأكثرين. وقيل : (دَعَوْا) بمعنى جعلوا. و (يَنْبَغِي) مطاوع لبغي بمعنى طلب ، أي وما يتأتي له اتخاذ الولد لأن التوالد مستحيل والتبني لا يكون إلّا فيما هو من جنس المتبنى ، وليس له تعالى جنس و (يَنْبَغِي) ليس من الأفعال التي لا تتصرف بل سمع لها الماضي قالوا : أنبغي وقد عدّها ابن مالك في التسهيل من الأفعال التي لا تتصرف وهو غلط و (مَنْ) موصولة بمعنى الذي أي ما كل الذي في السموات وكل تدخل على الذي لأنها تأتي للجنس كقوله تعالى (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ) (١) ونحو :
وكل الذي حملتنّي أتحمل
وقال الزمخشري : (مَنْ) موصوفة لأنها وقعت بعد كل نكرة وقوعها بعد رب في قوله :
رب من أنضجت غيظا صدره
انتهى. والأولى جعلها موصولة لأن كونها موصوفة بالنسبة إلى الموصولة قليل. وقرأ عبد الله وابن الزبير وأبو حيوة وطلحة وأبو بحرية وابن أبي عبلة ويعقوب إلّا آت بالتنوين (الرَّحْمنِ) بالنصب والجمهور بالإضافة و (آتِي) خبر (كُلُ) وانتصب (عَبْداً) على الحال. وتكرر لفظ (الرَّحْمنِ) تنبيها على أنه لا يستحق هذا الاسم غيره ، إذ أصول النعم وفروعها منه ومن في السموات والأرض يشمل من اتخذوه معبودا من الملائكة وعيسى وعزيرا بحكم ادعائهم صحة التوالد أو بحكم زعمهم ذلك فأشركوهم في العبادة إذ خدمة الأبناء خدمة الآباء ، فأخبر تعالى أنه ما من معبود لهم في السموات أو في الأرض إلّا يأتي الرحمن عبدا منقادا لا يدعيّ لنفسه شيئا مما نسبوه إليه.
ثم ذكر تعالى أنه (أَحْصاهُمْ) وأحاط بهم وحصرهم بالعدد ، فلم يفته أحد منهم وانتصب (فَرْداً) على الحال أي منفردا ليس معه أحد ممن جعلوه شريكا ، وخبر (كُلُّهُمْ آتِيهِ فَرْداً) وكلّ إذا أضيف إلى معرفة ملفوظ بها نحو كلهم وكل الناس فالمنقول أنه يجوز أن يعود الضمير مفردا على لفظ كل ، فتقول : كلكم ذاهب ، ويجوز أن يعود جمعا مراعاة للمعنى فتقول : كلكم ذاهبون. وحكى إبراهيم بن أصبغ في كتاب رؤوس المسائل الاتفاق على جواز الوجهين ، وعلى الجمع جاء لفظ الزمخشري في تفسير هذه الآية في
__________________
(١) سورة الزمر : ٣٩ / ٣٣.