إسرائيل قال لهم موسى (وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً) وتقدم تفسير ويل في سورة البقرة ، خاطبهم خطاب محذر وندبهم إلى قول الحق إذا رأوه وأن لا يباهتوا بكذب. وعن وهب لما قال للسحرة (وَيْلَكُمْ) قالوا ما هذا بقول ساحر (فَيُسْحِتَكُمْ) يهلككم ويستأصلكم ، وفيه دلالة على عظم الافتراء وأنه يترتب عليه هلاك الاستئصال ، ثم ذكر أنه لا يظفر بالبغية ولا ينجح طلبه (مَنِ افْتَرى) على الله الكذب.
ولما سمع السحرة منه هذه المقالة هالهم ذلك ووقعت في نفوسهم مهابته (فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ) أي تجاذبوه والتنازع يقتضي الاختلاف. وقرأ حمزة والكسائي وحفص والأعمش وطلحة وابن جرير (فَيُسْحِتَكُمْ) بضم الياء وكسر الحاء من أسحت رباعيا. وقرأ باقي السبعة ورويس وابن عباعي بفتحهما من سحت ثلاثيا. وإسرارهم النجوى خيفة من فرعون أن يتبين فيهم ضعفا لأنهم لم يكونوا مصممين على غلبة موسى بل كان ظنا من بعضهم. وعن ابن عباس أن نجواهم إن غلبنا موسى اتبعناه ، وعن قتادة إن كان ساحرا فسنغلبه ، وإن كان من السماء فله أمر.
وقال الزمخشري : والظاهر أنهم تشاوروا في السر وتجاذبوا أهداب القول ، ثم (قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) فكانت نجواهم في تلفيق هذا الكلام وتزويره خوفا من غلبتهما وتثبيطا للناس من اتباعهما انتهى. وحكى ابن عطية قريبا من هذا القول عن فرقة قالوا : إنما كان تناجيهم بالآية التي بعد هذا (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) والأظهر أن تلك قيلت علانية ، ولو كان تناجيهم ذلك لم يكن ثم تنازع. وقرأ أبو جعفر والحسن وشيبة والأعمش وطلحة وحميد وأيوب وخلف في اختياره وأبو عبيد وأبو حاتم وابن عيسى الأصبهاني وابن جرير وابن جبير الأنطاكي والأخوان والصاحبان من السبعة إنّ بتشديد النون (هذانِ) بألف ونون خفيفة (لَساحِرانِ) واختلف في تخريج هذه القراءة. فقال القدماء من النحاة إنه على حذف ضمير الشأن والتقدير إنه هذان لساحران ، وخبر (إِنْ) الجملة من قوله (هذانِ لَساحِرانِ) واللام في (لَساحِرانِ) داخلة على خبر المبتدأ ، وضعف هذا القول بأن حذف هذا الضمير لا يجيء إلا في الشعر وبأن دخول اللام في الخبر شاذ.
وقال الزجاج : اللام لم تدخل على الخبر بل التقدير لهما ساحران فدخلت على المبتدأ المحذوف ، واستحسن هذا القول شيخه أبو العباس المبرد والقاضي إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد. وقيل : ها ضمير القصة وليس محذوفا ، وكان يناسب على هذا أن تكون متصلة في الخط فكانت كتابتها (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) وضعف ذلك من جهة