صدقهما ، وعلموا أنه ليس في قدرة الساحر أن يأتي بمثل ذلك ، والظاهر أن الضمير في (قالُوا) عائد على السحرة خاطب بعضهم بعضا. وقيل : خاطبوا فرعون مخاطبة التعظيم ، والطريقة السيرة والمملكة والحال التي هم عليها. و (الْمُثْلى) تأنيث الأمثل أي الفضلى الحسنى. وقيل : عبر عن السيرة بالطريقة وأنه يراد بها أهل العقل والسن والحجى ، وحكوا أن العرب تقول فلان طريقة قومه أي سيدهم ، وعن علي نحو ذلك قال : وتصرفات وجوه الناس إليهما. وقيل : هو على حذف مضاف أي (وَيَذْهَبا) بأهل طريقتكم وهم بنو إسرائيل لقول موسى (فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) بالغوا في التنفير عنهما بنسبتهما إلى السحر ، وبالطبع ينفر عن السحر وعن رؤية الساحر ثم بإرادة الإخراج من أرضهم ثم بتغيير حالتهم من المناصب والرتب المرغوب فيها.
وحكى تعالى عنهم في متابعة فرعون في قوله (فَجَمَعَ كَيْدَهُ) قوله (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ) وقيل : هو من كلام فرعون ، والظاهر أنه من كلام السحرة بعضهم لبعض. وقرأ الجمهور (فَأَجْمِعُوا) بقطع الهمزة وكسر الميم من أجمع رباعيا أي اعزموا واجعلوه مجمعا عليه حتى لا تختلفوا ولا يتخلف واحد منكم كالمسألة المجمع عليها. وقرأ الزهري وابن محيصن وأبو عمرو ويعقوب في رواية وأبو حاتم بوصل الألف وفتح الميم موافقا لقوله (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ) (١) وتقدم الكلام في جمع وأجمع في سورة يونس في قصة نوح عليهالسلام.
وتداعوا إلى الإتيان (صَفًّا) لأنه أهيب في عيون الرائين ، وأظهر في التمويه وانتصب (صَفًّا) على الحال أي مصطفين أو مفعولا به إذ هو المكان الذي يجتمعون فيه لعيدهم وصلواتهم. وقرأ شبل بن عباد وابن كثير في رواية شبل عنه ثم ايتوا بكسر الميم وإبدال الهمزة ياء تخفيفا. قال أبو علي وهذا غلط ولا وجه لكسر الميم من ثم. وقال صاحب اللوامح : وذلك لالتقاء الساكنين كما كانت الفتحة في العامة كذلك (وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ) أي ظفر وفاز ببغيته من طلب العلوّ في أمره وسعى سعيه ، واختلفوا في عدد السحرة اختلافا مضطربا جدا فأقل ما قيل أنهم كانوا اثنين وسبعين ساحرا مع كل ساحر عصي وحبال ، وأكثر ما قيل تسعمائة ألف.
__________________
(١) سورة طه : ٢٠ / ٦٠.