في الشمس فأصاب الزئبق حرارة الشمس فتحرك فتحركت العصي والحبال معه. وقيل : حفروا الأرض وجعلوا تحتها نارا وكانت العصي والحبال مملوءة بزئبق ، فلما أصابتها حرارة الأرض تحركت وكان هذا من باب الدّرك. وقيل : إنها لم تتحرك وكان ذلك من سحر العيون وقد صرح تعالى بهذا فقالوا (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ) (١) فكان الناظر يخيل إليه أنها تنتقل. وتقدم شرح أوجس.
وقال الزمخشري : كان ذلك لطبع الجبلة البشرية وأنه لا يكاد يمكن الخلو من مثله وهو قول الحسن. وقيل : كان خوفه على الناس أن يفتتنوا لهول ما رأى قبل أن يلقي عصاه وهو قول مقاتل ، والإيجاس هو من الهاجس الذي يخطر بالبال وليس يتمكن و (خِيفَةً) أصله خوفة قلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها. وقال ابن عطية : يحتمل أن تكون خوفه بفتح الخاء قلبت الواو ياء ثم كسرت الخاء للتناسب.
(إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) تقرير لغلبته وقهره وتوكيد بالاستئناف وبكلمة التوكيد وبتكرير الضمير وبلام التعريف ، وبالأعلوية الدالة على التفضيل (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ) لم يأت التركيب وألق عصاك لما في لفظ اليمين من معنى اليمن والبركة. قال الزمخشري : وقوله (ما فِي يَمِينِكَ) ولم يقل عصاك جائز أن يكون تصغيرا لها أي لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم ، وألق العويد الفرد الصغير الجرم الذي في يمينك فإنه بقدرة الله يتلقفها على حدته وكثرتها وصغره وعظمها ، وجائز أن يكون تعظيما لها أي لا تحتفل بهذه الأجرام الكبيرة الكثيرة فإن في يمينك شيئا أعظم منها كلها وهذه على كثرتها أقل شيء وأنزره عندها ، فألقه تتلقفها بإذن الله وتمحقها انتهى. وهو تكثير وخطابه لا طائل في ذلك.
وفي قوله (تَلْقَفْ) جمل على معنى ما لا على لفظها إذ أطلقت ما على العصا والعصا مؤنثة ، ولو حمل على اللفظ لكان بالياء. وقرأ الجمهور تلقّف بفتح اللام وتشديد القاف مجزوما على جواب الأمر. وقرأ ابن عامر كذلك وبرفع الفاء على الاستئناف أو على الحال من الملقى. وقرأ أبو جعفر وحفص وعصمة عن عاصم (تَلْقَفْ) بإسكان اللام والفاء وتخفيف القاف وعن قنبل أنه كان يشدد من تلقّف يريد يتلقف.
وقرأ الجمهور (كَيْدُ) بالرّفع على أن (ما) موصولة بمعنى الذي والعائد محذوف ، ويحتمل أن تكون (ما) مصدرية أي أن صنعتم كيد ، ومعنى (صَنَعُوا) هنا زوّروا وافتعلوا كقوله (تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) (٢). وقرأ مجاهد وحميد وزيد بن عليّ كيد سحر بالنصب
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ١١٦.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ١١٧.