لأجل الفواصل ولكون موسى هو المنسوب إليه العصا التي ظهر فيها ما ظهر من الإعجاز ، وأخر موسى لأجل الفواصل أيضا كقوله (لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى) (١) وأزواجا من نبات إذا كان شتى صفة لقوله أزواجا ولا فرق بين قام زيد وعمرو وقام عمرو وزيد إذا لو أولا تقتضي ترتيبا على أنه يحتمل أن يكون القولان من قائلين نطقت طائفة بقولهم رب موسى وهارون ، وطائفة بقولهم : رب هارون وموسى ولما اشتركوا في المعنى صح نسبة كل من القولين إلى الجميع. وقيل : قدم (هارُونَ) هنا لأنه كان أكبر سنا من (مُوسى). وقيل لأن فرعون كان ربّى موسى فبدؤوا بهارون ليزول تمويه فرعون أنه ربى موسى فيقول أنا ربيته. وقالوا : رب هارون وموسى ولم يكتفوا بقولهم برب العالمين للنص على أنهم آمنوا (بِرَبِ) هذين وكان فيما قبل يزعم أنه رب العالمين.
وتقدم الخلاف في قراءة (آمَنْتُمْ) وفي لأقطعن ولأصلبن في الأعراف. وتفسير نظير هذه الآية فيها وجاء هناك آمنتم به وهنا له ، وآمن يوصل بالباء إذا كان بالله وباللام لغيره في الأكثر نحو (فَما آمَنَ لِمُوسى) (٢) (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) (٣) (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) (٤) (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) (٥) واحتمل الضمير في به أن يعود على موسى وأن يعود على الرب ، وأراد بالتقطيع والتصليب في الجذوع التمثيل بهم ، ولما كان الجذع مقرا للمصلوب واشتمل عليه اشتمال الظرف على المظروف عدّي الفعل بفي التي للوعاء. وقيل في بمعنى على. وقيل : نقر فرعون الخشب وصلبهم في داخله فصار ظرفا لهم حقيقة حتى يموتوا فيه جوعا وعطشا ومن تعدية صلب بفي قول الشاعر :
وهم صلبوا العبدي في جذع نخلة |
|
فلا عطست شيبان إلّا بأجدعا |
وفرعون أول من صلب ، وأقسم فرعون على ذلك وهو فعل نفسه وعلى فعل غيره ، وهو (وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا) أي أبي وأي من آمنتم به. وقيل : أبي وأي موسى ، وقال ذلك على سبيل الاستهزاء لأن موسى لم يكن من أهل التعذيب وإلى هذا القول ذهب الزمخشري قال : بدليل قوله (آمَنْتُمْ لَهُ) واللام مع الإيمان في كتاب الله لغير الله كقوله (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) (٦) وفيه نفاحة باقتداره وقهره وما ألفه وضري به من تعذيب الناس بأنواع العذاب ، وتوضيح لموسى عليهالسلام واستضعاف مع الهزء به انتهى. وهو قول الطبري
__________________
(١) سورة طه : ٢٠ / ١٢٩.
(٢) سورة يونس : ١٠ / ٨٣.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٥٥.
(٤) سورة يوسف : ١٢ / ١٧.
(٥) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٢٦.
(٦) سورة التوبة : ٩ / ٦١.