الآيات أوحى الله إلى موسى عليهالسلام أن يخرج بني إسرائيل في الليل ساريا والسري مسير الليل.
ويحتمل أن (أَنْ) تكون مفسرة وأن تكون الناصبة للمضارع و (بِعِبادِي) إضافة تشريف لقوله (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) (١) والظاهر أن الإيحاء إليه بذلك وبأن يضرب البحر كان متقدما بمصر على وقت اتباع فرعون موسى وقومه بجنوده. وقيل : كان الوحي بالضرب حين قارب فرعون لحاقه وقوي فزع بني إسرائيل ، ويروى أن موسى عليهالسلام نهض ببني إسرائيل وهم ستمائة ألف إنسان ، فسار بهم من مصر يريد بحر القلزم ، واتصل الخبر فرعون فجمع جنوده وحشرهم ونهض وراءه فأوحى الله إلى موسى أن يقصد البحر فجزع بنو إسرائيل ، ورأوا أن العدو من ورائهم والبحر من أمامهم وموسى يثق بصنع الله ، فلما رآهم فرعون قد نهضوا نحو البحر طمع فيهم وكان مقصدهم إلى موضع ينقطع فيه الفحوص والطرق الواسعة. قيل : وكان في خيل فرعون سبعون ألف أدهم ونسبة ذلك من سائر الألوان. وقيل : أكثر من هذا فضرب موسى عليهالسلام البحر فانفرق اثنتي عشرة فرقة طرقا واسعة بينها حيطان الماء واقفة ، ويدل عليه فكان كل فرق كالطود العظيم. وقيل : بل هو طريق واحد لقوله (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً) انتهى.
وقد يراد بقوله (طَرِيقاً) الجنس فدخل موسى عليهالسلام بعد أن بعث الله ريح الصبا فجففت تلك الطرق حتى يبست ودخل بنو إسرائيل ، ووصل فرعون إلى المدخل وبنو إسرائيل كلهم في البحر فرأى الماء على تلك الحال فجزع قومه واستعظموا الأمر فقال لهم إنما انفلق من هيبتي وتقدم غرق فرعون وقومه في سورة يونس. والظاهر أن لفظة اضرب هنا على حقيقتها من مس العصا البحر بقوّة ، وتحامل على العصا ويوضحه فى آية أخرى (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) (٢) فالمعنى أن اضرب بعصاك البحر لينفلق لهم فيصير طريقا فتعدى إلى الطريق بدخول هذا المعنى لما كان الطريق متسببا عن الضرب جعل كأنه المضروب.
وقال الزمخشري : (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً) فاجعل لهم من قولهم : ضرب له في ماله سهما ، وضرب اللبن عمله انتهى. وفي الحديث : «اضربوا لي معكم بسهم». ولما لم يذكر المضروب حقيقة وهو البحر ، ولو كان صرّح بالمضروب حقيقة لكان التركيب طريقا
__________________
(١) سورة الحجر : ١٥ / ٢٩ وسورة ص : ٣٨ / ٧٢.
(٢) سورة الشعراء : ٢٦ / ٣٦.