وطأة الخلق ولين الجانب والاحتمال حتى لا نقول لهما عند الضجر هذه الكلمة فضلا عما يزيد عليها. قال القرطبي : قال علماؤنا : وإنما صار قول (أُفٍ) للوالدين أردأ شيء لأن رفضهما رفض كفر النعمة ، وجحد التربية ، وردّ وصية الله. و (أُفٍ) كلمة منقولة لكل شيء مرفوض ولذلك قال إبراهيم عليهالسلام : (أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) (١) أي رفض لكم ولهذه الأصنام معكم انتهى. وقرأ الحسن والأعرج وأبو جعفر وشيبة وعيسى ونافع وحفص (أُفٍ) بالكسر والتشديد مع التنوين. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر كذلك بغير تنوين. وقرأ ابن كثير وابن عامر بفتحها مشدّدة من غير تنوين. وحكى هارون قراءة بالرفع والتنوين. وقرأ أبو السمال (أُفٍ) بضم الفاء من غير تنوين. وقرأ زيد بن عليّ أفا بالنصب والتشديد والتنوين. وقرأ ابن عباس أف خفيفة فهذه سبع قراءات من اللغات التي حكيت في (أُفٍ).
وقال مجاهد : إن معناه إذا رأيت منهما في حال الشيخ الغائط والبول اللذين رأيا منك في حال الصغر فلا تقذّرهما وتقول (أُفٍ) انتهى. والآية أعم من ذلك. ولما نهاه تعالى أن يقول لهما ما مدلوله أتضجر منكما ارتقى إلى النهي عما هو من حيث الوضع أشد من (أُفٍ) وهو نهرهما ، وإن كان النهي عن نهرهما يدل عليه النهي عن قول (أُفٍ) لأنه إذا نهى عن الأدنى كان ذلك نهيا عن الأعلى بجهة الأولى ، والمعنى ولا تزجرهما عما يتعاطيانه مما لا يعجبك (وَقُلْ لَهُما) بدل قول أف ونهرهما (قَوْلاً كَرِيماً) أي جامعا للمحاسن من البر وجودة اللفظ. قال ابن المسيب : قول العبد المذنب للسيد اللفظ. وقيل : (قَوْلاً كَرِيماً) أي جميلا كما يقتضيه حسن الأدب. وقال عمر : أن تقول يا أبتاه يا أمّاه انتهى. كما خاطب إبراهيم لأبيه يا أبت مع كفره ، ولا تدعوهما بأسمائهما لأنه من الجفاء وسوء الأدب ولا بأس به في غير وجهه كما قالت عائشة نحلني أبو بكر كذا. ولما نهاه تعالى عن القول المؤذي وكان لا يستلزم ذلك الأمر بالقول الطيب أمره تعالى بأن يقول لهما القول الطيب السار الحسن ، وأن يكون قوله دالّا على التعظيم لهما والتبجيل.
وقال عطاء : تتكلم معهما بشرط أن لا ترفع إليهما بصرك ولا تشد إليهما نظرك لأن ذلك ينافي القول الكريم. وقال الزجاج قولا سهلا سلسا لا شراسة فيه ، ثم أمره تعالى بالمبالغة في التواضع معهما بقوله : (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ). وقال القفال
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٦٧.