على عوج في غير موضع لا يدرك بذلك بحاسة البصر ، ولكن بالقياس الهندسي فنفى الله عزوجل ذلك العوج الذي دق ولطف عن الإدراك اللهم إلا بالقياس الذي يعرفه صاحب التقدير والهندسة ، وذلك الاعوجاج لما لم يدرك إلّا بالقياس دون الإحساس لحق بالمعاني فقيل فيه عوج بالكسر. الأمت النتوء اليسير ، يقال : مدّ حبله حتى ما فيه أمت انتهى.
(يَوْمَئِذٍ) أي يوم إذ ينسف الله الجبال (يَتَّبِعُونَ) أي الخلائق (الدَّاعِيَ) داعي الله إلى المحشر نحو قوله (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ) (١) وهو إسرافيل يقوم على صخرة بيت المقدس يدعو الناس فيقبلون من كل جهة يضع الصور في فيه ، ويقول : أيتها العظام البالية والجلود المتمزقة واللحوم المتفرّقة هلم إلى العرض على الرحمن. وقال محمد بن كعب : يجمعون في ظلمة قد طويت السماء وانتثرت النجوم فينادي مناد فيموتون موته. وقال عليّ بن عيسى (الدَّاعِيَ) هنا الرسول صلىاللهعليهوسلم الذي كان يدعوهم إلى الله فيعوجون على الصراط يمينا وشمالا ويميلون عنه ميلا عظيما ، فيومئذ لا ينفعهم اتباعه ، والظاهر أن الضمير في (لَهُ) عائد على (الدَّاعِيَ) نفى عنه العوج أي (لا عِوَجَ) لدعائه يسمع جميعهم فلا يميل إلى ناس دون ناس. وقيل : هو على القلب أي (لا عِوَجَ) لهم عنه بل يأتون مقبلين إليه متبعين لصوته من غير انحراف. وقال الزمخشري : أي لا يعوج له مدعوّ بل يستوون إليه انتهى. وقيل (لا عِوَجَ لَهُ) في موضع وصف لمنعوت محذوف أي اتباعا (لا عِوَجَ لَهُ) فيكون الضمير في (لَهُ) عائدا على ذلك المصدر المحذوف. وقال ابن عطية يحتمل أن يريد به الإخبار أي لا شك فيه ، ولا يخالف وجوده خبره ويحتمل أن يريد لا محيد لأحد عن اتباعه ، والمشي نحو صوته والخشوع التطامن والتواضع وهو في الأصوات استعارة بمعنى الخفاء ، والاستسرار للرحمن أي لهيبة الرحمن وهو مطلع قدرته. وقيل هو على حذف مضاف أي وخشع أهل الأصوات والهمس الصوت الخفي الخافت ، ويحتمل أن يريد بالهمس المسموع تخافتهم بينهم وكلامهم السر ، ويحتمل أن يريد صوت الأقدام وأن أصوات النطق ساكنة.
وقال الزمخشري : (إِلَّا هَمْساً) وهو الركز الخفي ومنه الحروف المهموسة. وقيل : هو من همس الإبل وهو صوت إخفافها إذا مشت ، أي لا يسمع إلا خفق الأقدام ونقلها إلى المحشر انتهى. وعن ابن عباس وعكرمة وابن جبير : الهمس وطء الإقدام ، واختاره الفراء والزجاج وعن ابن عباس أيضا تحريك الشفاه بغير نطق ، وعن مجاهد الكلام الخفي ويؤيده
__________________
(١) سورة الملك : ٦٧ / ٢٧.