بعمله. وقيل : الظلم أن يأخذ من صاحبه فوق حقه ، والهضم أن يكسر من حق أخيه فلا يوفيه له كصفة المطففين يسترجحون لأنفسهم إذا اكتالوا ويخسرون إذا كالوا انتهى. والظلم والهضم متقاربان. قال الماوردي : والفرق أن الظلم منع الحق كله والهضم منع بعضه.
وقرأ الجمهور (فَلا يَخافُ) على الخبر أي فهو لا يخاف. وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد فلا يخف على النهي (وَكَذلِكَ) عطف على كذلك نقص أي ومثل ذلك الإنزال أو كما أنزلنا عليك هذه الآيات المضمنة الوعيد أنزلنا القرآن كله على هذه الوتيرة مكررين فيه آيات الوعيد ليكونوا بحيث يراد منهم ترك المعاصي أو فعل الخير والطاعة ، والذكر يطلق على الطاعة والعبادة. وقيل : كما قدرنا هذه الأمور وجعلناها حقيقة بالمرصاد للعباد كذلك حذرنا هؤلاء أمرها و (أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) وتوعدنا فيه بأنواع (مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ) بحسب توقع الشر وترجيهم (يَتَّقُونَ) الله ويخشون عقابه فيؤمنون ويتذكرون نعمه عندهم ، وما حذرهم من أليم عقابه هذا تأويل فرقة في قوله (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) وقالت فرقة : معناه أو يكسبهم شرفا ويبقي عليهم إيمانهم ذكرا صالحا في الغابرين. وقيل : المعنى كما رغبنا أهل الإيمان بالوعد حذرنا أهل الشرك بالوعيد (وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ) كالطوفان والصيحة والرجفة والمسخ ، ولم يذكر الوعد لأن الآية سيقت مساق التهديد (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي ليكونوا على رجاء من أن يوقع في قلوبهم الاتقاء أو يتقون أن ينزل بهم ما نزل بمن تقدّمهم أي (يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) أي عظة وفكرا واعتبارا. وقال قتادة : ورعا. وقيل : أنزل القرآن ليصيروا محترزين عمالا ينبغي (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) يدعوهم إلى الطاعات ، وأسند ترجي التقوى إليهم وترجي إحداث الذكر للقرآن لأن التقوى عبارة عن انتفاء فعل القبيح ، وذلك استمرار على العدم الأصلي فلم يسند القرآن وأسند إحداث الذكر إلى القرآن لأنه أمر حدث بعد أن لم يكن والظاهر أن أو هنا لأحد الشيئين. قيل : (أَوْ) كهي في جالس الحسن أو ابن سيرين أي لا تكن خاليا منهما. وقرأ الحسن (أَوْ يُحْدِثُ) ساكنة الثاء. وقرأ عبد الله ومجاهد وأبو حيوة والحسن في رواية والجحدري وسلام ، أو نحدث بالنون وجزم الثاء ، وذلك حمل وصل على وقف أو تسكين حرف الإعراب استثقالا لحركته نحو قول جرير :
أو نهر تيري فلا تعرفكم العرب
ولما كان فيما سبق تعظيم القرآن في قوله (وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً) (٣) (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً
__________________
(٣) سورة طه : ٢٠ / ٩٩.