و (هذا) إشارة إلى إبليس و (عَدُوٌّ) يطلق على الواحد والمثنى والمجموع ، عرف تعالى آدم عداوة إبليس له ولزوجته ليحذراه فلن يغني الحذر عن القدر ، وسبب العداوة فيما قيل إنّ إبليس كان حسودا فلما رأى آثار نعم الله على آدم حسده وعاداه. وقيل : العداوة حصلت من تنافي أصليهما إذ إبليس من النار وآدم من الماء والتراب (فَلا يُخْرِجَنَّكُما) النهي له والمراد غيره أي لا يقع منكما طاعة له في إغوائه فيكون ذلك سبب خروجكما من الجنة ، وأسند الإخراج إليه وإن كان المخرج هو الله تعالى لما كان بوسوسته هو الذي فعل ما ترتب عليه الخروج (فَتَشْقى) يحتمل أن يكون منصوبا بإضمار أن في جواب النهي ، وأن يكون مرفوعا على تقدير فأنت تشقى. وأسند الشقاء إليه وحده بعد اشتراكه مع زوجه في الإخراج من حيث كان هو المخاطب أولا والمقصود بالكلام ولأن في ضمن شقاء الرجل شقاء أهله ، وفي سعادته سعادتها فاختصر الكلام بإسناده إليه دونها مع المحافظة على الفاصلة.
وقيل : أراد بالشقاء التعب في طلب القوت وذلك راجع إلى الرجل. وعن ابن جبير : أهبط له ثور أحمر يحرث عليه فيأكل بكد يمينه وعرق جبينه. وقرأ شيبة ونافع وحفص وابن سعدان (وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا) بكسر همزة وإنك. وقرأ الجمهور بفتحها فالكسر عطف على أن لك ، والفتح عطف على المصدر المنسبك من أن لا تجوع ، أي أن لك انتفاء جوعك وانتفاء ظمئك ، وجاز عطف (أَنَّكَ) على أن لاشتراكهما في المصدر ، ولو باشرتها إن المكسورة لم يجز ذلك وإن كان على تقديرها ألا ترى أنها معطوفة على اسم إن ، وهو أن لا تجوع لكنه يجوز في العطف ما لا يجوز في المباشرة ، ولما كان الشبع والري والكسوة والسكن هي الأمور التي هي ضرورية للإنسان اقتصر عليها لكونها كافية له. وفي الجنة ضروب من أنواع النعيم والراحة ما هذه بالنسبة إليها كالعدم فمنها الأمن من الموت الذي هو مكدر لكل لذة ، والنظر إلى وجه الله سبحانه ورضاه تعالى عن أهلها ، وأن لا سقم ولا حزن ولا ألم ولا كبر ولا هرم ولا غل ولا غضب ولا حدث ولا مقاذير ولا تكليف ولا حزن ولا خوف ولا ملل ، وذكرت هذه الأربعة بلفظ النفي لإثبات أضدادها وهو الشبع والري والكسوة والسكن ، وكانت نقائضها بلفظ النفي وهو الجوع والعري والظمأ والضحو ليطرق سمعه بأسامي أصناف الشقوة التي حذره منها حتى يتحامى السبب الموقع فيها كراهة لها.
قال ابن عطية : وكان عرف الكلام أن يكون الجوع مع الظمأ والعري مع الضحاء