يتعدى إلى اثنين ، والثاني (هُزُواً) أي مهزوأ به ، وهذا استفهام فيه إنكار وتعجيب. والذكر يكون بالخير وبالشر ، فإذا لم يذكر متعلقه فالقرينة تدل عليه ، فإن كان من صديق فالذكر ثناء أو من غيره فذم ، ومنه (سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ) (١) أي بسوء ، وكذلك هنا (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ).
ثم نعى عليه إنكارهم عليه ذكر آلهتهم بهذه الجملة الحالية وهي (وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ) أي ينكرون وهذه حالهم يكفرون بذكر الرحمن ، وهو ما أنزل من القرآن فمن هذه حاله لا ينبغي أن ينكر على من يغيب آلهتهم ، والظاهر أن هذه الجملة حال من الضمير في يقولون المحذوف.
وقال الزمخشري : والجملة في موضع الحال أي يتخذونك هزوا وهم على حال هي أصل الهزء والسخرية وهي الكفر بالله انتهى. فجعل الجملة الحالية العامل فيها يتخذونك هزوا المحذوفة وكررهم على سبيل التوكيد. وروي أنها نزلت حين أنكروا لفظة (الرَّحْمنِ) وقالوا : ما نعرف الرحمن إلّا في اليمامة ، والمراد بالرحمن هنا الله ، كأنه قيل (وَهُمْ بِذِكْرِ) الله ولما كانوا يستعجلون عذاب الله وآياته الملجئة إلى الإقرار والعلم نهاهم تعالى عن الاستعجال وقدم أولا ذم (الْإِنْسانُ) على إفراط العجلة وأنه مطبوع عليها ، والظاهر أنه يراد بالإنسان هنا اسم الجنس وكونه (خُلِقَ مِنْ عَجَلٍ) وهو على سبيل المبالغة لما كان يصدر منه كثيرا. كما يقول لمكثر اللعب أنت من لعب ، وفي الحديث «لست من دد ولا دد مني». وقال الشاعر :
وإنّا لمما يضرب الكبش ضربة |
|
على رأسه تلقى اللسان من الفم |
لما كانوا أهل ضرب الهام وملازمة الحرب قال : إنهم من الضرب ، وبهذا التأويل يتم معنى الآية ويترتب عليه قوله (سَأُرِيكُمْ آياتِي) أي آيات الوعيد (فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) في رؤيتكم العذاب الذي تستعجلون به ، ومن يدعي القلب فيه وهو أبو عمرو وإن التقدير خلق العجل من الإنسان وكذا قراءة عبد الله على معنى أنه جعل طبيعة من طبائعه وجزأ من أخلاقه ، فليس قوله بجيد لأن القلب الصحيح فيه أن لا يكون في كلام فصيح وإن بابه الشعر. قيل : فمما جاء في الكلام من ذلك قول العرب : إذا طلعت الشعرى استوى العود على الحر باء. وقالوا : عرضت الناقة على الحوض وفي الشعر قوله :
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٦٠.